الحماسة في الشعر العربي: بين طرق القول وأفكارها
وأبعادها
أبو تمام والمتنبي وابن هانئ الأندلسي نموذجا


لقد ركز عدد من شعراء العربية على موضوع الحماسة في العصر الجاهلي وما
بعده.لاتصاله بحياتهم ولاشتماله على فروع معنوية تحمل الشاعر على تناولها وتغريه حتى
يستعمل معها فنون قوله طالبا توقيع أشد الأثر عند طرفه المقابل المباشر كالممدوح
وآل المرثي وغير المباشر المتقبلين عامة. فاستغلوا الأحداث القريبة منهم ومن
أصحابهم أو استغلوا الأوضاع العامة فتناولوا القضايا ذات الصلة بالحرب وبالفرسان
والأبطال وأشادوا بها في مقابل إنهم كانوا يحطون من صور الجانب الآخر جيشا وقيادة
أحيانا ويضخمونها حسب ما يقتضيه السياق والواقع، كل ذلك يتعرضون له وفق الطريقة أو
الأسلوب الثابتين في عصر الشاعر.
حسب ما طرحناه في المقدمة هذه تظهر أهم الأقسام التي سنتعرض لها ونحن
نتناول موضوع الحماسة في شعر أبي تمام [1]
وشعر المتنبي [2]
وشعر ابن هانئ الأندلسي[3]
فنركز بداية على الدواعي التي تساهم في تطرق الثلاثة لهذا الموضوع الحماسي في
أغراضهم الشعرية ونتبين بعد ذلك أهم المعاني الواردة حول الحماسة : ما رفعوها وما
وضعوها ونهتم في المرحلة الثالثة بطرق القول وأساليب الشعراء الثلاثة وما بين عصرهم
وأسلوبهم من علاقة ومن أثر:

مادام
موضوع الحماسة في أغراض الشعر جميعها قد احتل مساحة من القول هامة، فلا شك أن هناك
مغريات عديدة تتصرف ليهتم الشعراء أنفسهم به وليهتم الرجال مواضيع الوصف أو
أهاليهم أن يكون له حضور في باب التمجيد وعوامله. لذلك نرى من الأكيد ونحن في هذا
القسم أن نتتبع مواطن الجذب في الحماسة أو في السيف والحرب.
دواعي فكرية ونفسية:
إن
أهم ما يهدف له الشاعر وهو يؤلف قصيدته الحماسية أن يقدم صورة للبطل تتجاوز
المألوف وتتعدى المعروف فجعل ذلك يرتبط بالمعاني الحربية حيث يقف البطل متميزا
بخصاله المختلفة عن خصال عامة الناس لا يهاب مثلهم ويصمد ويواجه الموت وقد يضحي
بنفسه من أجل غيره. قد لا نرى ذلك يستقيم لشخص إذا لم يؤمن بفائدة هذا الفعل عليه
في جانب ولم يكتسب استعدادا نفسيا للإقدام عليه في جانب آخر. لقد التقى الشاعر
وصاحبه على الإيمان أن مصادر الفخر تتأتى من بين ما تتأتى عليه من التفوق الحربي
والقتالي فيطلب الممدوح الشهرة في هذا الاتجاه ومن يدري لعله يصبح بطلا شعبيا
وكذلك قد نرى الشاعر نفسه لا يتخلف عن ذكر الصفات الملازمة للمعاني الحربية تلبية
لرغبات الممدوح وتمثيلا لما يؤمن به هو نفسه ورغبة منه في إقناعه بعلو المعاني
التي يوجهها له وجدارته حقا بالجائزة. ومن هنا صدرت تلك الأبيات تعكس قيمة الفعل
الحربي في إحلال أي شخص ذرى المجد متى أكسبته هذه الصفات كما في قول المتنبي:
ولا
تحسبن المجد زقا وقينة ××× فما المجد إلا السيفُ والفتكة البكرُ
وتضريب
أعناق الملوك وأن ترى ××× لك الهبوات السودُ والعسكرُ المجرُ
وتركُك
في الدنيا دويا كأنما ××× تداولَ سمْعَ المرء أنملهُ العشرُ
مثل
هذا الإعلاء لقيمة السيف نجده في شعر أبي تمام عندما يقول:
السيف
أصدق أنباء من الكتب ××× في حده الحد بين الجد واللعب
طلب
المجد عن طريق السيف لا يقتصر على هذين الشاعرين بل نجد تعبيرا عنه في شعر ابن
هانئ الأندلسي:
طلبُ
المجد من طريق السيوف ××× شرفٌ مؤنس لنفس الشريفِ
إن
ذل العزيز أفـــظع مــرأى ××× بين عينيه من لقاء الحتــــوف
ليس
غير الهيجاء والضربة الأخ ××× دود فيها والطعنة الإخطيفِ
يتفق
الشعراء الثلاثة على دور السيف وعلى مكانته في صنع الرفعة والعلو لمن يحمله، ومن
يستخدمه حتى تحول القتال مطلبا ذاتيا يسعى له من كانت له استعدادات نفسية ليكسب
بواسطة سيفه الخلود فيضعَ أثره في المسار التاريخي الذي يعتبر بدوره داعيا من
دواعي النظم في الحماسة:
دواعي تاريخية:
لا
يغيب عنا أن القصائد التي تناولت مواضيع الحماسة قد انطلقت من أحداث تاريخية صبغت
الحياة بصبغتها فغيرتها فيما قبل الحرب وما بعدها، يظل ذكرها يتبعُ الأزمنة
المتتابعة : لا يمكن أن ننساها على الإطلاق بمختلف تداعياتها ورمزياتها من ذلك
حروب المسلمين ضد الروم في عصر خلافة المعتصم وشاعره أبي تمام وفي عصر سيف الدولة
وشاعره الرسمي المتنبي وفي عهد الدولة العبيدية خاصة مع حكم المعز لدين الله
وصاحبه الشاعر ابن هانئ الأندلسي. في أوقات هؤلاء جميعا كانت المواقع الكبرى التي
حمل فيها القادة السلاح وأطلق فيها الشعراء القوافي حتى أننا لم نعد نميز من منهما
نعده صاحب الفضل على الآخر أهو الأمير والفارس من يبسط المعاني للشعراء أم هو
الشاعر من يستثمر الحادثة في وقتها ليحفرها وصاحبها في التاريخ؟
لك
الحمدُ في الدر الذي لي لفظه ××× فإنك معطيه وإني ناظمُ
هكذا
يبدو لنا أن العلاقة تبادلية بين الشاعر والممدوح كلاهما يساهم في صنع الآخر
ويعليه فتتكون لنا من تلازمهما ثنائية لا انفصال فيها بين المتنبي وسيف الدولة أو
بين ابن هانئ الأندلسي والمعز أو بدرجة أقل بين أبي تمام والمعتصم فكنا نلاحظ أن
تقريب الأمير للشاعر ليس اعتباطيا وأن الجوائز الممنوحة له لم تكن للتكرم بل كانت
مقابل وظيفة لا يتفقان عليها ولكنها تجري مجرى العرف : لا تمر أي مناسبة دونما
إحياء من قبل الشاعر الرسمي للبلاط الذي ينبغي عليه أن لا يفرط في التذكير دوما
بالإنجازات العظمى التي تجعل من الأمير شخصية تاريخية بارزة تصنع ما يعجز عنه كل
المعاصرين وفي الجهة المقابلة ينبغي أن لا يهمل الأمير شاعره فيكافئه بالجائزة
التي تليق بمن ينقش له اسما في التاريخ.
هذا
القول يقودنا إلى أن الحديث عن تملق المادح للممدوح وطمعه فيه وعدم صدق معانيه قد
يكون كله دعايات مصطنعة ليس مجالها كبار الشعراء وليس مقامها أمثلتنا من الشعراء المذكورين[4]
ويقودنا إلى أن إثارتها قد يعد مغالطة ولا طائل من ورائها لأن هؤلاء الشعراء قد
رسخوا في التاريخ ومثلوا سلطة عليه فرفع من رفعوه ووضع من وضعوه ولم يكن التاريخ
ليحفظ لنا سيرتهم لولا أنهم ذوو صناعة وأنهم متمكنون من فنهم أصحاب ريادة وتقدم
سنسعى إلى إبرازه حين نتعرض إلى أهم المعاني الحماسية ثم إلى فن قولهم في نفس
الموضوع:

إذا
ساهمت المواضيع الحماسية في تضخيم طرفي القصيدة شاعرا وغيره ممدوحا ومرثيا فإن ذلك
مؤشر على إجادة في اختيار المعاني القوية التي تساعد على بلوغ المطلوب من الشعر :
ترسيخ القيم وتوضيح مراتب المجد والرفعة واحتفاء بصفات وخصال يقع تكليف شخصيات
الملحمة أو القصيدة الحماسية لتحملها ولتضعها مثالا نموذجيا يحتذيه كل من يطلب
لنفسه العزة والمكانة لذلك نحن في هذا القسم سنتعرض لنفس الشخصيات وسنأخذ منها ما
أراد الشعراء أن يشيدوا به مما نسبوه لها من أفعال ومن هيئات ومن إنجازات في مقابل
ما سينزعونه عن شخصيات لم تحظ برضاهم ففكوا عنها كل مثال طيب وألصقوا بها كل خصال
رذيلة ودنيئة فلنبدأ بقائمة المعاني العليا لشخصيات ذات علو
ما يناسب النموذج الأعلى من صفات وخصال ضمن موضوع الحماسة

للقصيدة الحماسية أبطال تمجدهم وتذكر بصنائعهم ذات الأثر الباقي في
التاريخ بين عهدين حيث عرف العرب القوة وحيث عرفوا الضعف.
الحماسة في عصر القوة ومعانيها.
لقد
عاش أبو تمام في آخر العصر العباسي الأول عصر ازدهار الأمة العربية ثقافة وعلما
وقوة ، تفوقت على الأمم غيرها فكانت تهاجمها وتثأر لكرامة العربي إذا وقع الاعتداء
عليها في أي درجة خفيفة أو عميقة وكانت تسرع في الانتقام لا تترك للعدو مجالا حتى
يجمع نفسه ويلملم حتى قيل عن هارون الرشيد خامس الخلفاء العباسيين ووالد الخلفاء
بعده الأمين والمأمون والمعتصم أنه كان يحج سنة ويغزو سنة بل إنه كان لا يتراجع عن
إهانة أعدائه وتحميلهم على إرادته حتى بالقوة كما فعل مع نقفور ملك الروم حين
امتنع عن دفع الجزية فأرسل له وخاطبه بأغلظ الأقوال ووصفه "بكلب الروم"
وافتخر عليه بجيشه فصوره له صورة بديعة تصلح أن تكون بين معاني الحماسة هدده أن يغزوه بجيش عظيم :"أوله عندك
وآخره عندي".
هكذا
عرف العرب التفوق وبروزوا فوق أعدائهم حتى كانوا لا يرضون الظلم الذي يصيبهم على
الثغور من قبل أعداء ما يزالون محافظين على حقدهم لا ينسون أنهم في وقت غير بعيد
كانوا على رأس الأمم يبسطون نفوذهم ويستولون على إرادة الأقوام المجاورة يظنون أن
قوتهم لن تزول ولن تؤول حتما إلى الضعف. غير أنهم سقطوا وتهاووا في وقت قصير على
يد من رأوهم أجلافا ورعاة لا نهضة لهم. لقد حكموا فيهم السيوف وفرقوهم حتى ألزموهم
إلى الدخول في الإسلام أو إلى حكم أوطانهم مقابل دفع الجزية للمسلمين.
كل
ذلك كان عوامل لم ترض لا الفرس ولا الروم فجرتهم أن يقفوا ضد مركز السلطة في بغداد
كل حسب طريقته: فنهض الفرس وثاروا وأعلنوا عصيانهم للحكم في عهد المأمون الذي عانى
ملاحقة بابك الخرمي بداية من سنة 201 هجرية حتى وفاته وكان يرسل له القواد ويخسر
بعضهم كمحمد بن حميد الطوسي المقتول سنة 214 ولم ينته أمر بابك إلا بعد الملاحقات
ونصب الحيل لينتهي أمره على يد القائد التركي حيدر بن كاوس الأشروسني المعروف
بالأفشين. لقد كان هذا الصراع طويلا ضد الثائرين من الفرس فأغرى الروم أن يهاجموا
القواعد الإسلامية على التخوم على الحدود بتشجيع من بابك الخرمي نفسه لعلهم
يستغلون انصراف جيش الخلافة لإخماد الثورة القائمة. لكن قوة البلاد العربية في ذاك
الوقت لم تمنع أن تخوض الجيوش العربية حروبها على جبهتين وأن تحقق النصر وأن تفرز
صناعا للنصر يعتد بهم ويُعْتـَمَدُون في التاريخ أبطالا يرشحون عند الشعراء شخصيات
بشرية يوجه لها المدح وتـُلقى لها الصفات التي تناسب بطولتها وهو ما سنتناوله
بالتحليل مع الشاعر أبي تمام:
1 الدور الديني للممدوح
عرفنا
أن الخلافة في عصورها القوية مدينة لظهور الإسلام الذي ملأ المسلمين حماسة وشحنهم
إيمانهم ليتحولوا من وضع
الضعف
إلى وضع القوة. ففهم الخلفاء أنهم لن يحفظوا ما آل إليهم إلا بالعمل على حماية
دينهم وتحصينه من كيد الكائدين وتآمر المتآمرين. لذلك فإنهم إذا لاحظوا أن هناك ما
يهدد هذا الدين في وجوده فإنهم يسرعون التدخل ويحصدون الكرامة والفضل. وترتقي
أعمالهم إلى مراتب الأعمال الكبرى في التاريخ الإسلامي مثلما عد أبو تمام ما حققه
المعتصمُ في واقعة عمورية إنجازا يضاهي
قيمة نصر المسلمين في غزوة بدر فيقول
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ۞ نظم من الشعرِ أو نثر من الخطبِ
أبقيت جد بني الإسلام في صعد ۞ والمشركين ودار الشرك في صببِ
ساعد
الممدوحين في قصائد أبي تمام على تحقيق انتصاراتهم عزمُهم وصبرُهم وصوْنُهم لخاصياتهم
العربية المرتبطة بالعزة والأنفة فيركبون لأجل المصاعب ويكلفون أنفسهم شدائد
الأمور يقول أبو تمام:
أسرى بنو الإسلام فيه وأدلجوا ۞ بقلوب أسْدٍ في صدورِ الرجال
والمعروف
في مثل ذلك إذا ما صلحت المقدمات حسنت النتائجُ لابد في هذه الحالة أن يقع لمسُ
الأهداف نحو أقصاها لذلك نجد أبا تمام يعبر عما يصيب الإسلام من فوز وفي مقابله ما
يصيب الآخرين من ضعف وهوانٍ. لتدعيم ذلك
نختار أمثلة :
أمسى بك الإسلامُ بدرا بعدما ۞ محقت بشاشته محاق هلال
ويقول:
أبقيت جد بني الإسلام في صعد ۞ والمشركين ودار الشرك في صبب
لا
يقتصرُ هذا الاعتبار الديني ودور الممدوحين في دفاعهم عن الإسلام على علاقتهم
بالجيوش الأجنبية بل نفس الاعتبار نجده عندما تكون المواجهة ضد جيوش منتمية
للخلافة ولكنها ثائرة على السلطة كما في الصراع بين الخلافة العباسية والثورة
الخرمية حيث يتدخل أبو تمام في مدحه للمعتصم ويستحضر من جديد ثنائية الشرك
والإيمان فيقول:
آلت أمور الشرك شر مآل ۞
وأقر بعد تخمط وصيال
غضب الخليفة للخلافة غضبة۞ رخصت لها المهجات وهي غوالي
اعتمادا على ما قدمنا يظهر أن الممدوح
في شعر أبي تمام وهو يخوض الحروب لم يكن يهدف إلى صنع مجد ولا ربح غاية وإنما كان
هدفه الأعلى تحصين الدين الإسلامي مما يهدده على السواء من داخل الخلافة أو من
خارجها ثم بعد ذلك يتبع الخصال الفردية التي يشتهر بها وكأننا بحال الشعراء في
حماسيتهم تلك يصنعون نموذج كل إنسان مقدام صناعٍ للمآثر غير مبالٍ بنفسه ولكنه في
النهاية يصل إلى إقامة سيرة ذاتية تحوله إلى بطل رمز تـُرْوى أفعاله وخوارقه على
منوال ما نتعرض له عند تصوير الجيوش العربية في شعر أبي تمام تهاجم أعداءها.
صور الهجوم
إننا
مع أبي تمام كما سبق أن ذكرنا نتناول عصرا ذهبيا من القوة بين مختلف العصور
الإسلامية. نتناول العصر العباسي الأول في حدود نهايته حيث ما تزال الخلافة تحافظ
على هيبتها رغم أن عوامل الضعف بدأت تتهددها من جراء الثورات الداخلية والهجمات
المعادية من الروم فاضطر تحت هذه العوامل أن ينشغل الخليفة في ذاك الوقت تحديدا أن
يوجه جيوشه تحارب على أكثر من وجهةٍ إما لإخمادٍ وإما لتلقين الدروس وافتكاك
الأسرى والسبايا من بلاد الروم فتكرر ذلك وتعاقب حتى ترك أثره فلم تعد في فترة
المعتصم الأولويات لبناء ثقافةٍ وصناعةٍ متقدمتين كما كانتا في عهد هارون الرشيد
وابنه المأمون بل أصبح الميل أغلبه لصنع أمجادٍ حربية. فأثر ذلك حتى في نفسية الإنسان
العربي الذي أصبح يميل إلى القوة الجسدية وإلى حذق الفنون القتالية من كليهما
يستمد مصدر فخره وزهوه فقاد ذلك إلى اشتهار عديد القواد وإلى إبرازهم ابتداء من
الخلفاء الذين كانوا يقودون الغزوات بأنفسهم مثل هارون الرشيد والمأمون والمعتصم
خاصة وهو من تربى بخلاف إخوته لا على التعلم بل تلقى تربية عسكرية هي نفسها أثرت
على سلوكه وجعلته لا يخشى الهجوم على الأعداء ولا يفل له صبر حتى يقضي على عدوه
ولذلك لا نعجبُ أن يقضي المأمون فترة حكمه مصارعا لبابك من سنة 201 هجرية إلى سنة
218 ولا يقدر أن يقضي عليه في حين المعتصم لم يمض إلا أربع سنوات حتى أسره ثم صلبه
في سنة 224 للهجرة يقول أبو تمام مسترجعا اهم الأحداث في يوم أرشق
قد شمروا عن سوقهم في ساعةٍ ۞ أمرت إزارُ الحرْبِ بالإسبال
لما رآهم بابك دون المـــــــنــى ۞ هجر الغواية بعد طول وصال
لذلك
فإن من يشعر أنه قد ملك القوة لا يهاب وتجده يستولي عليه حب الانتصار وطلب المصاعب
كما في صورة أبي سعيد الثغري وهو يقود جنده إلى أكبر حصون الروم في عاصمتهم
القسطنطينية يصلها ويعود ولا يجد مقاومة لا لأنه تسلل واختلس الأنظار بل لعظمة
سيره ولقوة جيشه ترتعد الفرائص فيتجنب الأعداء تعطيل خط مساره كما ورد في مدح أبي
تمام له
قــدت الجيــــاد كأنهــــن أجـــادلُ ۞ بقرى درولـــــية لهــــــا
أوكـــارُ
حتى التوى من نقع قسطلها على ۞ حيطـــان قسطنطينية الإعصــارُ
ترى
هؤلاء الجنود تحت إمرة قوادهم يهاجمون غير عابئين بالصعوبات وغير مكترثين لها
يهاجمون في الليل:
أسرى بنو الإسلام فيه وأدلجوا ۞ بقلوب أسد في صدور الرجالِ
أو
إن يبتكر ترشده أعلام الصوى ۞ أو يسري ليلا فالنجومُ منارُ
ولا
يهمهم إن كانت المسافة طويلة أو هي في بلاد الغير الشرط هو الاعتماد على القوة
وعلى الثقة في قائدهم:
خشعوا لصولتك التي هي عندهم ۞ كالموت يأتي ليس فيه عارُ
لما فصلت من الدروب إلـــيهــم
۞ بعرمرم للأرض منه خــوارُ
نلاحظ
أن القوة التي كان الجيش الإسلامي يمتلكها كانت تحصل في مستوى المظهر على مستوى
السلوك في الجمع وفي افقدام وركوب الصعاب وعدم التردد بما يجعل الحرب التي
يخوضونها محسومة منذ البدء فما بالنا والحرب تكون قد حطت أوزارها فكيف ستكون حال
المدن بعدها؟
تصوير أرض الأعداء
إن
الرعب الذي ينزله جيش الخلافة الإسلامية بالأعداء، يؤثرُ على النتائجِ فإذا
الخسائرُ تكون فادحةً فيصيب الأراضي من الدمار ما يصيبُ الفرسان من من الموت
والإذلال:
لقد تركت أمير المـــؤمنـــين بـــها ۞ للنـــار يـــوْما ذليــــل
الصخر والخشب
ضوء من النارِ والظلماءُ عاكفـــةٌ ۞ وظلمة من دخان في ضحى
شحــــــــب
فالشمسُ طالعـةٌ من ذا وقد أفلـت ۞ والشمسُ واجبةٌ من ذا ولم تجـــــــــبِ
قد
لا يرقى النصرُ المحقق بالطريقة المذكورة إلى التعبير عن القوة وعن أهلية النصر
إذا ما تعلق ببلاد غير منيعةٍ وغير حصينةٍ فينقلب المعطى ذلك إلى علامةٍ عكسية
فيدل على اعتداء ظالم وعلى مهاجمة غير الأنداد. أبو تمام لم يفته ذلك في شعره
فنراه يذكر بما اختصت به مدينة عمورية قبل فتحها على يد المعتصم حيث كانت ممتنعة
عن الملوك الغازين السابقين ابتداءً من اسكندر الأكبر وكان ثرواتها مخزونة لتحفظ
من أجل من سينتفع بها أولا يقول هنا أبو تمام:
وبرزة الوجــــه قــد أعيـــت رياضتُـــهـــا ۞ كسرى وصدت صـــــدودا
عـــن أبـــي كــرب
بِكـْـــرٌ فما افترعــــتها كفّ حــــــادثـــــةٍ ۞ ولا تــــــرقت
إليــــها هــــــمةُ النــــــــــــــوبِ
لقد
صمدت هذه المدينة لأنها حظيت بفرسانٍ يذودون عنها ضد التهديدات بل إنهم يهابُهم كل
الطامعين. غير أن ذلك لم ينفعهم مع المعتصم فقد أثاروه كما يثار الأسد وحملوه على
الهجومِ عليهم لما أخطأوا فعاثوا فسادا في مدينته الرمز زبطرة مسقط رأسِه ما دعاه
إلى أخذ قراره التاريخي فيسأل عن المدينة الأكثر مناعة عند الروم ويصيبها ببطشه
وغضبه ويمثل بها أكبر تمثيل ويمعن في إذلال فرسانها وقوادها كما يثبت أبو تمام في
القصيدة المخلدة لتلك الذكرى عندما يقولُ:
كم بيـــن حيطـــــانها مــــن فارس بطـــــل ۞ قانـــي الذوائبِ من
آنــــي دم سربِ
بسنــــة الســيـفِ والحناء مــــــن دمـــــه ۞ لا سنة الديـــن
والإســـلامِ مُختضِبِ
إن
هذا الذي ذكرناه مما أصاب عموريةَ وفرسانها يوظفه الشاعرُ ويستخدمُه للإعلاء من
صور ممدوحيه ورسم ملامحهم المستوعبة لمعاني الفروسية والبطولة نذكر منها خدمة
الدين وإقصاء الأنانية والثقة في النفسِ التي تقود إلى الشجاعة وحسن البلاء وإحكام
تسيير الجيوشِ وقيادتِها والصبر على الشدائد وبلوغ الأهداف بنجاحٍ وحصد نتائج
الحرب وتوابعها، إن على المستوى الفردي الشخصي أو على المستوى الجماعي القومي.
يأتي الشعر ليخلد ذلك كله ويحدد صورا للمعني بصنعها جميعا فيخرجه في صورة تعلو
بمرتبته الإنسانية وترقى به نحو نقطة من الشرف الإنساني ليس لها من معوضٍ:
تدبير
معتصم بالله منـــتقم ۞ للـّــه مرتقب في الله مرتغبِ
يبدو
نفسُ المعنى أوضح مع الرثاء حيث يرثي الشاعرُ الشخص ومن ورائه يرثي المثل التي
تفقد بعد موته يقول في رثاء الطوسي من قتل حسب الروايات وحسب الرثائية في قصةٍ
مؤثرةٍ لما رفض الهروب والنجاة بحياته وظل يحاربُ أتباع بابك الخرمي يغير سيفا
بسيف حتى السيف التاسع لكن الشجاعة لم تفده في الخلاص ولكنها أفادته أن تم قتله
قتل الكرام تحت ظل القسطل كما طلب عنترة بن الشداد في الجاهلية :
فتى
مات بيــن الضرب والطعنِ ميتة ۞ تقوم مقام النصرِ إذ فاته النــــــــــصرُ
وما
مات حتى مات مضــــرِبُ سيفهِ ۞ من الضربِ واعتلت عليه القنا السمرُ
قصة
الموت هذه تجعل من الرثاء له معبرا عن حجم هذا الشخص وعن مقدار شجاعته وعن ندرة
وجوده وعن عجز الدهر أن يجود بمثله لذلك فإننا نرى أبا تمام يرثي معه الآمال
والسيوف والحروب كما سيتبين من الأبيات الثلاث التالية:
توفيت
الآمالُ بعـــد محــــمد ۞ وأصبح في شغل عن السفرِ السفرُ
فتى
سلبته الخيلُ وهو حمى لها ۞ وبزته نارُ الحربِ وهو لها جمرُ
وقد
كانت البيض المآثيرُ في الوغى ۞ بواترَ فهي الآن من بعده بُتـْـرُ
استفدنا
من الكلام السابق كله أن الحروب قد غلبت على الحياة العربية وتعددت وصنعت أبطالا
ظلوا مذكورين في التاريخ مثلهم مثل الرموز الحربية الباقية منذ فجر الإسلام كخالد
بن الوليد والقعقاع والمثنى بن الحارث ثم أبي مسلم الخراساني لنجد المعتصم وأبا
سعيد الثغري والأفشين ومحمد بن حميد الطوسي لكن الحروب في العهود الأولى قد ساقت
الأمة العربية إلى التقدمِ وإلى القوة والسيطرة في حين أن هذه الحروب التي قامت في
القرن الثاني والثالث قد أدت إلى إرهاق الخلافة واتجاهها إلى الضعف والانحلال
والتلاعب بها مرة على يد الأتراك ومرة أخرى على يد الفرس حتى تفجرت البلاد وانقسمت
إلى دويلات وإمارات متعادية فيما بينها متوزعة في جهة المشرق وفي جهة المغرب.
وطبعا هذه الفترة المتردية سيظهرُ شعراؤها الذين سيحملون همومها وسيعبرون عن وجدان
الشعوب في ذلك الوقت التائقة إلى استرجاع ما ضاع منها منذ عهدٍ من مجد ومن نفوذ في
ظل الوحدة والانتماء إلى نظامٍ مركزي قوي يخاطب السحابة فيدعوها أن تنزل ماءها حيث
شاءت فإن خراجها سيعود له. هذا ما سنتعرض له عندما نتناول شعر أبي الطيب المتنبي
شاعر المشرق وابن هانئ الأندلسي شاعر المغرب ومتنبيه.
الحماسة في عصر التفكك والضعف:
نقصد
بعصر الضعف والتفكك أشهر القرون العربية ما يعرف بالقرن الرابع الذي جمع
المتناقضات فازدهرت فيه الثقافة ببروز عدد من العلماء والأدباء كالمتنبي والمعري
وابن جني والأصفهاني وغيرهم وتراجعت فيه السياسة وتفرقت البلاد إمارات متفرقة بين
حمدانية وإخشيدية وفاطمية وسامانية وملوك الطوائف في الأندلس فتوزعت بين القوة
والضعف لكن القوية منها لم تعد تهتم بالوضع العام بل كانت تركز على تثبيت نفسها
وتحذر أن تنقض عليها دولة أو إمارة متجاورة قد تتحالف حتى مع الأجنبي الغازي
والطامع فانشغل الأمراء بصراعاتهم فيما بينهم وفتحوا الباب للجيوش البيزنطية
تغزوهم وتهاجمهم وهم يسلمونها بلدانهم
أحيانا بلا مقاومةٍ.
في
ظل هذا الضعف العربي عاش المتنبي ووعى الحياة وبنى له مواقف تحمل هموم العربي
وقتها ويتشوق لشخص سياسي يشاركه ذات الرؤى وذات التطلعات فوجدها عند سيف الدولة
فاندفع يمدحه ويشيد بأعماله وإنجازاته ناقلا صورة قائد عربي مسلم مثل استثناءً في
عصرِه واقتلع إعجاب المتنبي فاختصه بأغلب مدحه في قصائده درر ديوانه المعروفة
بالسيفيات.فكيف قدم لنا المتنبي سيف الدولة الحمداني أمير حلب في تلك الأشعارِ؟
سيف الدولة المثال
إن ما يؤهل سيف الدولة أن يكون الشخص المخصص
بالمدح عند المتنبي شاعر عصره من ملأ الدنيا وشغل الناس كما قال ابن رشيق جملة من
الخصائص ومن الاستعدادات جعلت منه يحتل مكانه ونراه صاحب العزم وصاحب العقل أظهرهما المتنبي
في بيتين حكميين استمدهما من علاقته به ومن معاشرته له كما قال في أحد الأبيات
عرفتك والصفوف معبآت ۞ وأنت بغير سيفك لا تعيج
فكانت ثمرة هذه المعرفة ما يلمح لسيف
الدولة ولشخصه فيصبح المثال للعزم في البيت الحكمي
على قدر أهل
العزم تأتي العزائمُ ۞ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
والمثال للعقل في بيت حكمي آخر
الرأي قبل شجاعة
الشجعان ۞ هو أول وهخي المحل الثاني
وهكذا إذا ما التقى هذان الشرطان
واجتمعا فلابد أن ينتجا حقيقة تتمثل في صنع بطل يتباهى المتنبي به ويظهر فضله على
الغير كما يقول المتنبي في البيت التالي:
فلا زالت عداتك
حيث كانت ۞ فرائس أيها الأسد المهيج
مثل الميزات التي ذكرنا تجعل من سيف
الدولة شخصية قيادية يوجه تابعيه ويسيرهم نحو ما يحملهم إلى المنشدات كما نجد في
قول المتنبي:
قاد الجيادَ إلى
الطعان ولم يقد ۞ إلا إلى العادات والأوطان
في جحفـل ستر
العيون غباره ۞ فكأنما يبصـــــرن بالآذان
عندما نتعرض إلى ما ذكرنا من الأبيات لا
نتصور أن الحديث حول قائد ينتمي إلى عصر التدهور السياسي في القرن الرابع فلننظر
ماذا يمكن له أن ينجز في ظل هذا التناقض بين الشخصية المدروسة وعصرها.
2 سيف الدولة أمير المستصعبات
لقد
تولى سيف الدولة إمارة رقعةٍ صغيرة حدودية تشرف على أراضي الروم الدولة الممتدة
القوية التي تستغل ضعف العرب وتنقض على الثغور تفتكها فكان يمكنها أن تتوسع في
بقية الأراضي فتهدد الوجود العربي بكامله وتنتقم لنفسها من العرب لاعتبار أن الجزء
الهام من البلاد الإسلامية تم الاستيلاء عليه بعد الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا.
لا نشك أن ذلك كان يمثل إرادة الروم جيشا وحكما واستعدوا له وعملوا فجمعوا الجموع
واستعانوا بالحلفاء وكونوا نواة جيش عظيم لمواجهة المسلمين:
خميس
بشرق الأرض والغرب زحفه ۞ وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمع
فيه كل لســـــــن وأمـــــــــــةٍ ۞ فما تفهم الحداث إلا الــــــتراجمُ
لكن
الرياح لا تجري بما تشتهي السفن فقد وضعت في طريق هؤلاء شوكة مزعجة صغيرة غير أنها
مؤثرة :ترك سيف الدولة ما عليه غيره من الأمراء في البحث عن اللهو والمجون والتفت
إلى التشبه بالخلفاء السابقين همه المجد فصنع من مجلسه لقاء للعلماء والأدباء في
عصره وكلف نفسه صد الهجمات القادمة من بلاد الروم حتى لخص المتنبي ذلك منه في بعض
الأبيات وهو يصوره فيقول :
يكلف
سيف الدولة الجيش همه ۞ وقد عجزت عنه الجيوش الخضارمُ
وصول
إلى المستصعبات بخيله۞ فلو كان قرن الشمس ماء لأوردا
بما ذكرنا نتعرف على سيف الدولة الفارس القوي عليّ الهمة
شديد البأس غير أنه يتولى حكم إمارةٍ صغيرةٍ قد لا يراها قدر طموحاته. لكنه يؤمن
بنفسِهِ وما يقدرُ على إنجازه فيقدم على ما يرجع أمره إلى الخليفة العباسي. يحمي
الأراضي العربية ويكون ساعد الخلافة في ظل عجزها ولا يهنأ له بال إلا إذا أصاب
هدفه لاسيما أنه منذ سطوعِ نجمه قد تعود على ركوب الخطر حتى قبل ولايته: حيث وقع
عزل الخليفةِ ونزعُه من منصبه من قبل البريديين.لكن أخاه ناصر الدولةِ قد كلفه
بأمر إنجاد الخليفةِ المعتضد ونجح في إرجاعه إلى دار الخلافة.
لا شك أن إنجازا مثل ما ذكرنا يرفع مقام علي بن منصور الملقب بسيف الدولة ويبقى في
حياته مصدر فخره ليأتي بعد ذلك المتنبي ويحفظه له ويذكره به في قصيدته التي
مطلعها:
لكل امرئ من دهره ما تعود ۞ وعادة سيف الدولة الطعنُ في
العدى
حيث قال ملمحا لتلك الحادثة:
فيا عجبا من دائل أنت دائله ۞ أما يتوقى شفرتي ما تقلدا
مع ما ذكرنا يبدو أن المدح يفرض نفسه على الشخصية
المعنية ذلك أنه بنفسه يوفر مادة للشاعر يستثمرها ويتولى توظيفها في شعره باعتبار
أن المتنبي لا يرى في البلاد العربية من يتقدم عليه حين يشكره على أفعاله ويقارنه
بغيره:
ولا زالت الأعــــيادُ لبســــك بعده ۞ تسلم مخروقا
وتعــــــــطى مجددا
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى ۞ كما كنت فيهم أوحدا
كان أوحدا
لذلك نجد المتنبي يعترف لسيف الدولة بفضل كليهما على
الأخر لنفهم أن سيف الدولة لولا صلاته ولولا إنجازاته ما ارتقى شعرُه:
لك الحمدُ في الدرّ الذي لي لفظه ۞ فإنك معطيه وإني
ناظمُ
ما انعكست عليه صورة سيف الدولة اتصلت بالكمال خالية من
الثغرات ليس فيها ما يؤسي لكن السيرة كلها لم تقم على النجاحات بل تخللتها الهزائم
التي فرضت على المتنبي أن يتدخل ويواسي سيف الدولة ويعيد له الثقة ويحمل لمن أخطأ
مسؤوليته فنظن أن المعاني الحماسية تغيب ولا يمكن أن يتناسب سياق الهزيمة مع إثارة
معاني البطولة والشجاعة والفروسية
وَكُلّ غازٍ لسَيْفِ الدّوْلةِ التّبَعُ
|
فكُلّ غَزْوٍ إلَيـــــــكُمْ بَعدَ ذا فَلَهُ ۞
|
وَأنتَ تَخْلُقُ ما تأتي وَتَبْتَدِعُ
|
تَمْشِي الكِرامُ على آثارِ غَيرِهِمِ
۞
|
وَكانَ غيرَكَ فيهِ العاجِزُ الضَّرَعُ
|
وَهَلْ يَشينُكَ وَقتٌ كنتَ فَارِسَهُ
۞
|
يتضح أن خبرة المتنبي بسيف الدولة لم تغير ثقته به بل
عكست يقينا أن النصر آت وأنه سوف يعود إلى النصر فذكر ذلك في نفس القصيدة قال
الدّهْرُ
مُعتَذِرٌ والسّيفُ مُنْتَظِرٌ ۞وَأرْضُهُمْ
لَكَ مُصْطافٌ وَمُرْتَبَعُ
|
فعلا تحقق تنبؤ شاعرنا وعاد لمحاربة الدمستق وخرق العادات
بإنجازات حربيةٍ لعلها غير مسبوقةٍ وأظهرت سيف الدولة في صورة القائد الفريد.
سيف الدولة القائد كاسب المجد
معروف أن للنصر لذة
لا تعادلها لذة تفرز لصانعيها النشوة وتجلب لهم الفخر يقول المتنبي واصفا سيف الدولة
بعد النصر الذي حققه في قلعة الحدث الحمراء
تَـمُرُّ بِـكَ الأَبـطالُ كَلمى
صورة فيها إطلاق الوجه واستبشاره ورضا بما أداه وبذله أثناء الحربِ
وتعكسُ نفسية البطل وما يحس به في مثل تلك المقامات الاستثنائية حينما يرتبط بفعله
حدث لا يتكرر إلا بعد أزمانٍ طويلةٍ لقد حقق نصرا وطلب مجدا تنازل عنه من يعاصرونه
من الأمراء المختلفين المنتمين في غالبهم إلى قوميات وأعراق
[1] عاش في المشرق
العربي في بداية القرن الثالث عصر القوة والوحدة تحت إمرة الخليفة في آخر العصر
العباسي الأول
[2] المنتمي جغرافيا
إلى المشرق العربي وزمنيا إلى القرن الرابع في عصر التفكك والانقسام وتقبل ضربات
الروم على الثغور خاصة اطمأن إلى سيف الدولة خاصة.
[3] عاصر المتنبي لكنه عاشر أميرا يتولى حكم مساحة
تحتوي على مقومات الدولة والقوة اطمأن
له خاصة أنهما يشتركان في ذات المذهب
الديني
[4] قد نستدل على ذلك بمثال المتنبي الذي كثيرا ما توجه له افتعالا تهم الطمع
والكذب ويستشهد على ذلك أنه مدح كافورا ثم هجاه في حين يقع تناسي علاقته بسيف
الدولة الذي فارقه ولم يقدر على نسيانه فمدحه ورثا خولة أخته وهو بعيد علامة على
الإخلاص وعلى صدق العلاقة ثم إننا نعرف ما يحمله المعري من ثورة على الشعراء
المتجهين للمدح ولكننا نعلم في نفس الوقت مدى انتصاره لشعر المتنبي ما يثبت أن
القراءة الخاصة بكبار الشعراء تختلف عن قراءتها لمن هم دون ذلك.