الأربعاء، 8 أبريل 2020

تحليل النص الثاني:" سر الأمان"  من مسرحية سعد الله ونوس :
" مغامرة راس المملوك جابر" /   تأليف : نزار الديماسي

لا تعوز الكاتبَ الحيلُ متى أراد تبليغ رسالة أو تبنى رأيا، فإنه إن لم يستخدم الواقع مباشرة فقد يجد ضالته في التاريخ يستثمره، أو في التراث يستلهمه على اعتبارهما حيلة من حيل التأليف. لا شك هذه الحيلة واضحة في نصنا :"سر الأمان" المأخوذ من الأعمال الكاملة طبعة بيروت سنة أربع وألفين بين الصفحتين: الواحدة والأربعين والثالثة والأربعين بعد المائتين لصاحبها سعد الله ونوس كاتب مسرحية: " مغامرة رأس المملوك جابر " التي ألفها بعد عودته إلى سوريا من فرنسا حيث تأثر ببعض الكتاب المسرحيين في أوربا وعمل على تطبيق اتجاهاتهم بنسخة عربية قد تتضح بعض جوانبها في نصنا الذي يرد بعد رفض العم مؤنس سرد سيرة الظاهر بيبرس متعللا أن التعرض إليها سيتم بعد التعرض غلى مثل الأحداث في الحكاية التي تبدأ في هذا النص، حيث يبين الكاتبُ عوامل استسلام الرعية لإرادة الراعي في إطار العلاقة بينهما مقارنا هذه العلاقة زمن الحكاية وزمن الفرجة.
فكيف استفاد الكاتب من التراث ومن القديم؟
وماذا يربط بين الإشارات الركحية والحوار؟
وهل ينال حقا ممثلو الرعية الأمان الذي آثروه؟
وإلى أي مدى يلبي تدخل الزبائن رغبة الكاتب في اصطناع تجربة كسر جدار الصمت  لدى الجمهور؟

ينقسم النص حسب المتخاطبين إلى قسمين إثنين: أولهما يمتد إلى السطر الواحد والأربعين حيث يتبين على لسان ممثلي أهالي بغداد في زمن الحكاية المفارقة بين ثبات الرعية على الخنوع والاستكانة في مقابل التحولات الحاصلة عند الحكام رغم بسط نفوذهم على الرعية. أما القسم الثاني فيمتد على باقي النص وفيه يتغير المتخاطبون فنعود إلى زبائن المقهى ونتبين أوجه الشبه بينهم وبين الممثلين وكأنهم يرون أنفسهم في المرآة.

نتبين من الوحدة الأولى أن الكاتب عاد إلى التاريخ وإلى التراث واستلهم من كليهما المضمون، وفن الكتابة وأسلوب التحول من الزمن الواقعي إلى زمن الحكاية (الماضي البعيد)
أما المضمون فإنه يتناول زمن سقوط الخلافة العباسية في عصر آخر خلفائها السبع والثلاثين. وأما أسلوب التحول فقد تم باستعارة إحدى الوظائف المتبعة منذ القديم سواء مع القصاصين في عصور الإسلام الأولى أو مع الحكواتيين قبل تطور التكنولوجيا الحديثة. اعتمد سعد الله ونوس على هذه الوظيفة ليراوح في مسرحيته بين نصين متوازيين أحدهما معاصر والآخر تاريخي ولتكون حيلته للربط بينهما. وهذا ما سيكشف عن فن الكتابة الذي يتبعه الكاتب وقد اتخذه من الأساليب القصصية المتبعة في الكتابات التراثية: نعني به أسلوب التضمين الذي يوازي عادة بين حكايتين تدعم إحداهما( المضـَـمّـَنـَة) الأخرى (المضمِّنة ) فكيف يضمن الحكواتي قصة أهل بغداد إلى قصة الزبائن في المقهى؟
تحتل الإشارة الركحية الواردة في بداية النص موقع البداية من الحكاية المروية. لذلك فهي تتولى التقديم العام للقصة بواسطة أسلوب الراوي المناسب، فنجده من جهة متفقا مع شكله وهو ينقل قصة عن الماضي بتكرار الفعل كان. ونجده من جهة أخرى متفقا مع أسلوب التقديم وهو يستعمل الأفعال في زمن المضارع" لا يستقر على وضع... يبيتون على حال ويستيقظون على حال... ثم تهدأ حينا...فلا يعرفون... يتفرجون على ما يجري..." ونعرف نحن أن المضارع يستعمل للتعبير عما يتكرر حدوثه. وفي الأشارة الركحية التي نحن بصددها: إن المتكرر يوجد عند عموم الناس في زمن الخليفة شعبان المنتصر بالله ووزيره محمد العبدلي. في ذلك الوقت  كانوا يتعرضون لتغير الأحداث وتقلبها ويعيشون تحت تأثيرها ولا قوة لهم ولا فعل، ذلك ما نتبينه من الأفعال التلقائية التي ردت في صيغة الإثبات " يبيتون ... يستيقظون... يتفرجون" ومن الأفعال الذهنية والإرادية وردت في صيغة النفي " لا يعرفون × 2 ... لا يتدخلون."
إن اعتماد شخصية الحكواتي حيلة من حيل الكاتب يصطنعها فيربط بواسطتها بين المشاهدة والتمثيل وبين زمن الحاضر وزمن الحكاية وليفصل بين صوتين للرواية بين الكاتب الراوي الأصلي والراوي الفرعي العم مؤنس، فنلاحظ أن الكاتب يتدخل في بعض المواقع فيحافظ على ارتباط النص بجنسه المسرحي لأنه إن ترك للحكواتي صوته ينطلق فسنكون أمام صوت واحد صوت القاص لا المسرحي وقد لا نجد إشارات في الكلام تشير إلى الإخراج كالتي نراها في الجزء الثاني من الإشارة الركحية في مفتتح نصنا.
الجزء الثاني الخاص بالكاتب يعلن عن الشخصيات التي تظهر على الركح ويتبين أنها تنتمي إلى الزمن القديم، غير أننا نلاحظ أن المشهد أمامنا يجمع ما لم نتعود عليه ألا وهو الاختلاط :" يتقدمون من الزبائن، ويتوزعون أمامهم." لا يخلو نفس المشهد من التشويش على المتفرج فرجة مباشرة: علام يصب تركيزه؟ إن الكاتب يعمد إلى ذلك عمدا في إطار اتجاهه التغريبي في المسرح الذي يقدمه. إذن كيف تقدم الشخصيات الجديدة ؟
لاحظنا أن الشخصيات الجديدة يقع إدخالها بصفة فجئية فلا ننتظر إنزال الستار ثم رفعه لإتمام عملية التغيير وإبدال الديكور  أو إنزال التحويرات عليه. لا شيء من ذلك يحصل إذ كل تحول يقع مباشرة ولا مسافة فيه للبرتوكولات القديمة في المسرح التقليدي فقد تم ما اصطلحنا عليه في المسرح التغريبي عند سعد الله ونوس هدم الجدار الرابع الذي يفصل بين الممثل والمشاهد وهكذا فإننا سنجد على الركح الزبائن يتقدمهم الشخصيات من الزمن القديم المذكور في خطاب الحكواتي نتعرف على عددهم وعلى جنسهم ولا شيء فوق ذلك حتى الإشارات الركحية تغيب فلا نعرف حركاتهم وتوزعهم . لكأن ذلك من الفراغات التي يتعمد الكاتب ليتركها إلى المخرج حسب الأوضاع عند العرض. هؤلاء ينطبق عليم ما ينطبق على الزبائن : إنهم يمثلون أهالي عصرهم ولذلك تغيب كل التعريفات التي تحصرهم في زوايا خاصة، ولا يبقى لنا من أدوات التعرف عليهم إلا الخطابات ومضامينها نفهم منها اهتماماتها وعلاقاتهم فيما بينهم...
انقسم الحوار بين الشخصيات الخمس إلى قسمين.
في الأول لا يحضر إلا الرجال فيتناولون موضوعا سياسيا يعددون فيها المناصب العليا للبلاد من الخليفة إلى الوزير فقاضي القضاة فالقواد والولاة. سبب الحديث عنهم تنصيبهم وعزلهم أنهما يتمان في القصور بمعزل عن الشوارع حيث العامة التي لا تتدخل في هذا الأمرِ . واضح من الحوار الذي يجري بين الرجال الثلاث تقديم طبيعة الحكم السائد في عصرهم إنه حكم استبدادي. لقد عبر عنه المتدخلون بجملهم القصيرة القائمة على التتابع بين شطرين ( جملة الظرف يتبعها جوابها أو جملة الشرط يتبعها جوابها أو النتيجة يسبقها سببها) ونلاحظ أن كل شطر تنطق به شخصية فتجيبها المجموعةُ كلها:     
الرجل الثاني  : وعندما يسمي الخليفة وزيره يأمرنا بطاعته.
المجموعة   : فنطيعه.
الرجل الثالث: وإن غضب الخليفة من وزيره ، وأفلح في عزله.
المجموعة    : أيدنا الخليفة ، وأعرضنا عن وزيره.
......................................................
الرجل الأول  :يأمروننا بالبيعة.
المجموعة    : فنبايع.
المفارقة في الحوار أن الشخصيات أهالي بغداد يطلعون على الواقع في قصور الحكام ويعرفون الأحداث ولكنهم لا يُسْمح لهم بإبداء الرأي والتدخل في شؤون الحكم. إنهم محكومون  بحسب القاعدة الاستبدادية إذا أمروا عليهم الطاعة والمبايعة، ولكنهم مع ذلك هل يسلمون؟
تتحدث إحدى المرأتين عن النتيجة أو خلاصة الحوار الدائر أمامها بين المجموعة:" ذلك هو سر الأمان في هذا الزمان." بعبارة فيها الكثير من الاختزال والإشارة إلى ما يستقر في اعتقاد الرعية أنها محمولة على اتباع ما يجبرهم عليه الراعي المستبد كما سيظهر لنا من القسم الثاني في حوار من يمثلون أهالي بغداد.
في القسم الثاني من حوار المجموعة أصبحنا نجد مساحة خاصة بالمرأتين كلتاهما تتدخل في نفس سياق الحوار وموضوعه حول علاقة الراعي بالرعية ولكن تدخل المرأة الأولى غير مركز الاهتمام في الحديث من مظاهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم (عمودية استبدادية تهميش...) إلى أسباب تلك العلاقة فنجد المتدخلين من الرجال يقوم على الشكوى من الشدة التي يلقونها من الحكام فيستعملون جملا طويلة يبدأها مخاطب ويكملها المتدخلون بعده، الإطالة في الجمل سببها أسلوب التعداد : فإذا ذكر الرجل الثالث مصدر ركونهم إلى السلم وطلب الأمان في علاقاتهم بأمرائهم فأتى بفعل "تعلمناه" في صيغة الجمع المتكلم نحن ( بما لا يستثني أحدا من الرعية ) وفي زمن الماضي ( بما يثبت استقرار التجربة واستمرارها )  فإن العلم لن يتعلق بالمعرفة والتكوين وإنما بتسليط العذاب عليهم حسب ما يظهر من تعداد المخاطبين كل وفق ما يتذكره من الأشكال ومن الأدوات والمكلفين بها فنجد السياط المرصعة بالمسامير والحراب كلها تسند إلى  رجال لا يعرفون الرحمة واللين يكونون جلادين أو حراسا يشبه الخطاب عيونهم بالزجاجية للمعانها وهي تشتعل بالشر.يضاف إلى ذلك الزجر التقليدي بوضع الرجال في السجون التي وصفتها المرأة الثانية باستعمال الكناية للدلالة أن سجن الرجال يبقى لمدة طويلة لذلك فأبوابها لا تفتح إلا من أجل الدخول:" ومن السجون التي لا تنفتح أبوابها إلا إلى الداخل."
تشكو في هذا النص المرأة كما يشكو الرجل ولكنها تختلف عنه أنها لا تتعرض مباشرة إلى التعنيف وأن مصابها بسبب ما يتعرض إليه رجالهن وأزواجهن وأحبتهن في السجون بعد انطباق أبوابها عليهم ووخز الحراب أجسادهم واهترائها تحت سياط الجلادين. المرأتان كأنهما تنطقان بصوت واحد إن أطلقتا استفهاما فالغاية منه التعبير عن القبول بالواقع والاستسلام وإن صدر عن شخصيتين إثنتين وكذلك هو الحال عند مشاركتهما في الجملة الثانية الطويلة التي بدأها مرة أخرى الرجل الثالث مستعملا فعل "تعودنا"  أثناء مشاركتهما في هذه الجملة تعبران عن مصير الرجال ومآلهم إلى الغياب وإلى القتل بسبب الوشايات أتفه الأسباب.
نفهم مما نحن بصدده أن الرعية تتصف بالضعف والعجز لأن الراعي أراد لها ذلك فخصص التعذيب والسجون للرجال وهو يدرك أن نتائجه لن تفرق بينهم وبين النساء في مجتمع لا يعترف لهن إلا بالسلبية ولا يكلفهن بأي دور من الأدوار . لذلك فإننا متى رأينا المرأة تشتكي فإنها لا تشكو حالها بل مصابها في ما يتعرض إليه الرجال. ولكأننا بذلك أمام درجتين من الظلم المسلط على الرعية: الأول عام بسلب الأهالي جميع حقوقهم وتسليط العقاب عليهم لأتفة الأسباب. أما الثاني فهو خاص بالمرأة على اعتبارها طرفا من الأهالي ليس لا وجود مؤثر لذلك فهي ضعيفة لا تحتاج إلى العقاب المباشر مادامت سريعة التأثر بما يحصل للرجل فهي تتأثر ولا تؤثر. فهل يمكن لمجموعة تتعرض إلى نفس ما تتعرض إليه المجموعة في نصنا أن تفكر في الخروج من واقعها؟
الإجابه عن السؤال تكمن في بنية الحوار بين من يمثلون أهالي بغداد في نصنا هذه البنية دائرية بحكم أنها انتهت من حيث ابتدأت بالتعبير الذي يقدم واجبات الطاعة والولاء إلى الحكام وإن تغيروا ولم يستقروا على حال فذاك شأنهم يعنيهم ولا تتدخل الرعية فيه بل إن النهاية في حوارهم وهي تكرر ما جاء على ألسنتهم سابقا نعتبره كاللازمة في القصيدة الشعرية. يكون محتواها شعارا يردده المخاطبون ويؤمنون به لكنه في نصنا ليس إيمان اقتناعٍ وعقيدة بل إيمان خوف ونجاة. فما هو رأي بقية ممن يحضرون على الركح من زبائن المقهى؟

الوحدة الثانية يقع التركيز فيها على الزبائن الذين انطلقت بهم المسرحية، وتنبئنا بذلك الإشارة الركحية السردية الموجهة للإخراج تعلمنا بانسحاب الممثلين عن الزمن القديم وتبقي على زبائن المقهى ولا يتم إنزال الستار من أجل الإعداد إلى المنظر الموالي وهي مرحلة لا نحتاجها بحكم أننا تعرفنا على اتجاه الكاتب لمسرحيتنا أنه يسعى إلى تأسيس مسرح خاص نتبينه أيضا في الحوار الذي سيدور بين زبائن المقهى.
 من المنتظر بعد المشهد الذي تم عرضه أمام الزبائن أن يترك فيهم بعض الأثر. وقد يكون من الطبيعي أن يفتح الحوار الذي سبق بين الزبائن تعليقا على المشهد وعلى موضوعه، لكننا نكتشف أن الحديث اقتصر على جمل قصيرة أقرب إلى اللهجة العامية فيها إسقاط المعلقين الإثنين الزبون الثاني والثالث لما شاهداه وسمعاه على وقتهما مستخدمين لذلك أساليب التأكيد كالقسم والنفي " لا راحت ولا جاءت" ... وفي هذا الموقع من النص حسب ما رأينا من الإشارات الركحية في مواطن أخرى بدا من الممكن ترك فراغات للمخرج عند العرض أن يعدد في خطابات التعليق أو يحصرها في المدى الذي أمامنا من الإيجاز. ولكن سعد الله ونوس لم يضف إشارة ركحية ترشد إلى ذلك عن عمد منه لاعتبار أننا ما نزال في البداية وأن المتابعة تبقى مسترسلة من المشاهدين لمزيد الفهم والتقدم في الأحداث ولهذا فإن الزبون الرابع لم يتدخل إلا لطلب المزيد من الشاي وذلك في مقاهينا الشعبية قد يحيل أو يكني على مزيد التركيز لذلك فإن لحظة التدخل والتعليق قد تتأخر حسب الكاتب ولذلك فإن الصمت هو الذي يسود لولا تدخل الزبونين المتقاربين منذ البداية والمنعكس من حوارهما في الأول موقفهما الرافض للواقع ومن هنا فهما كانا أسرع لإبداء رأيهما حول ما شاهداه لأنهما انطلقا في الخوض حوله أصلا.
رغم أن التعاليق قصيرة وقليلة فإن الكاتب يستغل هذا التحول المعروف في المسرح الكلاسيكي بالاستراحة ليتدرج في اعتماد مسرح التسييس. فيصطنع لأجل ذلك خطابات تصدر من زبائن المقهى يعوض بها الكاتب ما يريد للمشاهد الحقيقي أن يتحلى بها. غير أنه في الوقت الحاضر لا يمكنه ذلك ولا يمكنه أن يرتجل الحوار الذي يسعى الكاتب أن يتحقق وقت أداء المسرحية، فهو يريد من ذلك أن يبين المتفرج أنه التقط الرسالة من الممثل وأدرك أنه معني بما يُنقل أمامه في المشاهد فيعبر عن واقعه وينتقده، وقد تكون تلك هي البداية نحو الفعل. لكن سعد اله ونوس بحكم حداثة التجربة لا يجد هذا ممكنا في مشاهد عصره فيستدعي له مشاهدا خياليا يصطنعه من زبائن المقهى خلال الاستراحة التي لا تطول وتعيد الصوت إلى الراوي الفرعي الحكواتي.
أهمية الإشارة الركحية بعد عودة صوت الحكواتي تتمثل في أنها تساهم في دفع الأحداث بواسطة المعلومات التي تقدمها وبإشارتها إلى المنعرج الأول في المسرحية عند تلخيص العلاقة بين الخليفة ووزيره التي تطورت من الوفاق إلى الشقاق ومن الشقاق سرا إلى الشقاق علنا. وذلك ما سيحدث تحولا على مستوى الأحداث وخاصة في مستوى العلاقة بين الراعي والرعية. فنحن إن رأينا الرعية ترضى بضعفها واضطهاد الحاكم لها فإنها بعد تحول السلطة إلى سلطتين قد تجد نفسها أمام ورطة لم تصنعها ولكنها متأثرة بها. إذ لم تعد الطاعة هي الطاعة سابقا ولا المبايعة هي المبايعة سابقا. مع الصراع بين الخليفة والوزير يصبح الخلع في قفا المبايعة والعصيان في قفا الطاعة فكيف للرعية أن تتخلص من الورطة؟

واضح من النص أن الكاتب يشخص الواقع من حوار المتدخلين ويتعرض إلى العلاقات التي تحكم الراعي والرعية في عملية تهدف أن تسترعي انتباه المشاهد لتحمله على التدخل في المواقف وتحويلها إلى آراء يتبناها. لكن هذا السعي من قبل الكاتب يقف أمامه عدم استطاعة ميسرة بسبب العوائق الثقافية التي لا تستجيب لبداية المشروع المسرحي لسعد الله ونوس بالسرعة المناسبة.

يعالج النص طبيعة الحكم الاستبدادي وما يتولد في ظله من نتائج تتعارض مع رغبة الحياة عند اأفراد. ذلك ما كشفت عنه مجموعة من الثنائيات تم التطرق إليها في سياق النص بالتعرض إلى اتساع الهوة الفاصلة بين الراعي والرعية وقهر المرأة بقهر الرجل لأسباب إما واهية وإما ضعيفة ولكنها تترتب عنها شدة في العقاب وتنوع في العذاب. كل ذلك يتأدى في الحوار بشخصيات تختلف أرقامها ولكن أصواتها تتحد بلغة لا تخلو من الشكوى ومن نبرة الاستسلام والرضا بالواقع وقبوله على مرارته.

لئن ميز النص بين فضاءين ومكانين يختلفان بما يحتويان في توزيع الشخصيات ولغة خطابها فإن القضايا التي طرحها بدت واحدة. فارتبطت القضايا بالطرف الذي يقع عليه الاعتداء ويظهر ضعفه فيرده كله إلى الطرف المتسلط عليه وكأنه بمنأى عن تحمل أي طرف في مسؤولية ضعفه. فهل يكون لهذا الضعف عند المغلوب عاملا يدفع البناء الدرامي في المسرحية؟

 تأليف: نزار الديماسي