الأحد، 10 فبراير 2013

هديل الحمائم أم نعيق البوم والغربان؟ إنّ الفواجع محن قاسية على النّفس وطعمها مرّ علقم في الحلقوم ولها وخز الإبر وكيّ في العصب...و لكن رغم كلّ ما ذكرت فإنّ نارها تلهب الصّديد المتلبّس بالعقول المريضة بل وتفصله ليلقى في سلّة المهملات و تدفن إلى الأبد فلا أشعّة لها ولا إشعاعات ولا إشاعات قاتلة ..نريد الوطن حديقة متنوّعة الأزهار والألوان والرّوائح الزّكيّة ...تريح البصر وتحيي البصيرة وتروّح عن النّفس ...بمثل هذه العبارات اخترق الشّهيد شكري بلعيد الأسماع وأسمع الأشهاد...فماذا بعد؟ أرى هذه الكلمات باقة عطر أهداها الشّهيد الشّعب قبل الرّحيل فهل نتأمّلها أم تقتل كما قتل الشّهيد؟ لا أريد لها أن تقبر ولا أن تنسى ولا يتراكم عليها تراب النّواح فتوارى كما وارى التّراب صاحبها ..أريدها صلصلة جرس غليظ يسمع من بعيد وأخصّ أهله ورفاقه ...لا تغتالوا الشّهيد مرّة أخرى...تأمّلوا كلماته واسمعوا رجع الصّدى لعلّ البناة يجتمعون ويتنادوا شمّروا سواعد الكدّ وازرعوا زهر تونس... إنّي أخشى أصوات البوم والغربان وأخاف أن يتهادوا في المشية و يتربّصوا ببني تونس شرّا فيقتلون البريء و يشوّهون الصّامت مكرها و يبيحون دم البريء المتّهم كرها و غصبا...إنّ قميص المحاماة والنّضال والصّوت المدوّي ينادي من تحت اللّحد لا تظلموا البريء حتّى تثبت الإدانة يقينا عارية قارعة ...فلطال ما ردّد الحقوقيّ في المحاكم"كلّ متّهم بريء حتّى تثبت الإدانة قطعا لا وهما أوشكّا" فكيف تسمح العقول الرّصينة والآملة في تسامح التّونسيّين وحكمة العقلاء وصدق السّياسيّين وإنّي لأكبر انتباههم إلى حماية وحدة التّونسيّين شعبا واحدا متوحّدا مترنّما بثراء تنوّعه السّياسي والفكري ...التّنوّع ثراء وعزّة ونماء ..وكلّ نفخ في رماد اللّهيب فإنّه يريد الحريق للوطن ويريد الفقر والمرض والبطالة لشعبه ... إنّ البوم يغرّد ويندب الغفلة والسّقط لأنّه يذكّر جيف الطّوفان .. أمّا الحمام فله الهديل الذّي يخفّف عن النّفس و يشحنها وفاءا وطهارة وعفّة ونزاهة وإخلاصا وحفظا للرّسالات ...إنّ رسالة شعبنا أن نعيش إخوانا متضامنين متنوّعين ناقدين ناصحين مرشدين ...نسمع للحقّ فنمتثل ...ونرى الجريمة فنمتنع عن المشاركة فيها ولو بربع كلمة إلاّ كلمة نصح وكفّ ومنع لسفك الدّم أو زرع لشوك الفرقة ... إنّ فاتحة صلاة الشّهيد زرع للسّلام و ريّ للوفاق والتّناصح والوحدة الوطنيّة .. الشّهيد لا يغسّل بل يلتحف دمه ليمنع سفك الدّماء ..الشّهيد لا يكفّن لأنّه يحمل ثوبه الملطّخ دما فيمنع سفك الدّماء بعده ولكن يشهد الله أنّه ظلم فينال الجنّة ويرمى قاتله في الجحيم ويظلّ ذكره بين النّاس طيّبا وقاتله يظلّ مذموما مدحورا .... إنّ الشّهيد حيّ في العقل ليقبض اليد الآثمة التّي تمتدّ للحياة بالسّوء قبل أن تقتل أخاه من بعده ... إنّ موته حياة للآخرين فهل نفهم الرّسالة ولا نفسد رسالته بالحقد الإديولوجي والوهم الثّوري ونظلم غير القاتل فيهان أو يهدّد في حياته...أيّها الرّفاق اسمعوا للشّهيد في عليائه وتعالوا إليه بحماية الحياة وحماية الوطن وحماية أمن النّاس . ارحموا الأمّ تونس ولا تمزّقوا وحدتها ولا تروّعوا أمنها المجروح ..واقتصادها العليل ...تأمّلوا صورة البوم وصورة الحمام ...الحمام أولى بالحياة...أليس كذلك؟ 
أبو يوسف البشير العبّاسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق