صنع الفزاعات في تونس اختراع بن علي يستهوي نخبتنا البارزة
في ما نعلم بورقيبة لم
يكن يختلق أعداء دائمين له و للأمة التونسية إذ أنه تصارع مع اليوسفيين لكنه لما
تخلص منهم غاب ذكرهم فلم نعد نجد عنهم حديثا لا في الإعلام و لا في المدارس و مارس
نفس الفعل مع أحمد بن صالح و بعده مع الزعيم النقابي الحبيب بن عاشور و مارسه حتى
مع المخالفين في عهد الاستعمار مع عبدالعزيز الثعالبي.
عادة بورقيبة حسب هذه
التجارب القطع الجذري مع كل المعادين إذا لم يعودوا يمثلون خطرا عليه، قد يصل حقده
عليهم إلى محاولة نزعهم نزعا كاملا من التاريخ بحيث لا يتعرض إليهم المؤلفون في
كتبهم و لا المدرسون في قاعات الدرس بالجامعة و المدارس الثانوية و الابتدائية. و
نحسب أن مثل هذا التصرف إنما يتأسس على نرجسيته و تضخيمه لذاته حتى أنه يساويها
بالوطن : فمن يخالف بورقيبة يخالف تونس و من لا يرضى عنه هو نفسه ينبغي لكل
التونسيين أن يعادوه .
لئن أدت زعامة بورقيبة و
نرجسيته إلى اعتماد أسلوب التناسي ضد أعدائه المقهورين فإن من يأتي بعده زين
العابدين بن علي سيختلق فزاعات يلوكها كالمضغة أمام الشعب يقهر بها الإثنين متى
أمكنه ذلك.
قبل البدء في عرض فزاعات
بن علي علينا أن نفهم شخصيته و نفسيته و لو بشكل سطحي حتى نتبين مصادره الذاتية في
قبوله التعامل مع الشعب من جهة و مع المعارضين من جهة اخرى بنفس الحجر يضرب به
كليهما.
من التطور الحاصل هنا
ندرك الفرق بين بورقيبة و بن علي أن الأول احب شعبه غير المشاكس له و كره الجزء
الاخر فعاقب المكروه و لم يثقل على المحبوب بينما الثاني يبدو أنه لم يحب إلا نفسه
و القلة المحيطة به فكان لا يتورع عن ارتكاب اية حماقات أو إساءات تجاه الكل
مادامت مصالح عائلته محفوظة. للسائل هنا ان يتساءل كيف يحصل هذا من رئيس للبلاد ؟
كل شخص في الحقيقة تحركه
مجموعة من الانفعالات و العواطف أو بالتعبير الديني تثيره نفسه و يحركه هواه . و
بن علي هو أحد هؤلاء الأشخاص يملك هواه و تسيطر عليه نفسه يكاد يوزع حقده على
الجميع برغم أنهم قبلوه بالفرحة وبالأمل في أول عهده حتى صنع له الشعب أسطورة لم
تصنع لأبطال التاريخ قبله حيث رسموه يمتطي قاربا صغيرا يأخذ بيد واحدة خارطة تونس
الغارقة في البحر الممتدة أمواجه و الصقوا له شعارات تناسب بطولته الأسطورية (
صانع التغيير، حامي الحمى و الدين ، منقذ البلاد...) و ملكه المروجون لسياسته
قدرات لا تكون إلا للإله فيصبح كل إنجاز يظهر من راس الجدير إلى رأس الجبل هو بفضل
بن على لا من فضل ربي . و كان في ظن الجميع أنهم يحسنون معه الفعل و أنهم يرفعونه
أعلى الدرجات و لكنهم يغيب عنهم كليا أنهم ما قدموا له صورة يقتنع بها عقله الباطن
و إنما هي في الواقع تمجيد لبطولات و أفعال لم يقم بأي منها و لا تملك قدرته
البشرية القاصرة ان تصنع بعضها .
إذن رغم التفاني في مدح
بن علي و في تمجيده لم يُنْفـَخْ في صورته بما كان يشتهي أو ينتظر: ظل البائس أقل
من محسوده بورقيبة المجاهد الأكبر، الزعيم الأوحد، الرئيس المثقف . لم يأخذ من
الصفات ما تتناول ذاته بل ما تتناول الأفعال أي ما لا يمنحه الثبات في الوصف و لا
يكرمه بأية صفة مشبهة. فنظن نتيجة لذلك أن الشعور بالنخوة والاعتزاز وتولد في نفسه
مزيد من الحقد على بورقيبة فأهمله بعد ان
عمل السنين الطوال تحت إمرته و احترمه. و فقد الأمل مبكرا في استمرار علاقات الود
و الوئام بينه و بين أبناء الشعب خاصة بعد أن قويت معارضة المتبنين للمرجعية
الإسلامية و انتشرت الحكايات حول ما أصبح يملكه في تونس و في الخارج و حول ما آلت
إليه في سنوات قليلة ثروة صهره شيبوب من تغول قبل أن يلتحق أصهاره الجدد و حول ما
باتت في الأثناء تبتدعه المخيلة الجمعية التونسية من نكت ساخرة تروج بسرعة في كامل
البلاد يتناقلها التونسيون بكل جرأة في جميع الأماكن و كل الأزمنة.
لنتخيل أن بن علي تصله أصداء تلك الشعبيات التي
لم يوجد مثلها في عهد بورقيبه . هل سيكون مطمئنا للشعب؟ و هل سيولي كل اهتمامه له؟
لقد عرفنا بن علي مزعزع
الثقة ، بل عهدناه جبانا لا يملك قراره بيده و إن تصرف من نفسه فهو يتصرف حسب هواه
ونستدل على ذلك بالإجراءات الأمنية المشطة و الاحتياطات المكثفة قبل زيارة أي
ولاية أو عند زيارتها، و نستشهد بطلاقه من الزوجة الأولى ذات الحسب و النسب و
زواجه الثاني من المرأة التي لا تشرف منصب الرئاسة بتاريخها وبتعليمها وبمهنتها (
حلاقة ) هل أراد في ذلك تقليد بورقيبة الذي طلق مفيدة الفرنسية و تزوج بنت الأكابر
وسيلة عمار؟ إن زواجه هذا يدل أن بن علي كان يخطئ كثيرا و لكنه لا يصلح أخطاءه
بنفسه بل يستعين بغيره كما في كتابته لبيان السابع من نوفمبر و ما تلاه من خطابات
فملأ قصره بالمستشارين و المكلفين و ترك أهل البلاء للبلاء كما يقال في تونس وعلى
ذلك قيست الفزاعات و بدئ في توزيعها بين الوقت و الآخر على أبناء الشعب كلهم بالتساوي
بين المبلغ عنهم و المبلغين فلنتذكر منهم من ينتمي إلى القائمة الطويلة.
أولا فزاعة النهضة أو من
يسمون بالإسلاميين
لا نكاد نختلف أن أول عدو صُنِع لبن علي هم
أبناء النهضة الذين تم بفضل الآلات المتحالفة في الإعلام و في القضاء وفي الأمن و
في المعارضة أيضا السيطرة عليهم سريعا و وقع قهرهم ففرقوا و شتتوا بين السجون و
المنافي و باعتبار سياسة سابقه يُظن أن أولئك قضي عليهم و سيقع تناسيهم غير أن
الواقع عرف تطورات غير معهودة إذ سيصبحون خطرا عظيما على النظام القائم المعروف
باستقراره و على نمط الحياة المعتدل في تونس لذلك على كل التونسيين أن يفزعوا
بأنفسهم ضد هذا الخطر الداهم و لا يتركوا لهم أي مجال للعودة من جديد حتى لا
يصيبنا ما أصاب الجزائر في وقت من الأوقات و نقطع العلاقات الديبلوماسية مرة مع
إيران و مرة أخرى مع السودان بدعوى دعمهم للجماعات الخطيرة في بلادنا.
أمام إلحاح الإعلام
المتواطئ في نقله لأخبار في أكثرها مزيفة، و في نشره لمبادئ مخادعة عن التيار
الإسلامي في تونس أنهم يفرضون على المرأة لبس الخمار و يجبرون الناس كلهم على
الصلاة و يهددون الخمارات بالانحباس عن العمل ... صدق التونسيون و رأوا في
اندماجهم لمحاربة هذا الشيطان تقديم خدمات وطنية يتشرفون بها وهكذا أصبح التونسي
يراقب التونسي و يمد الجهات المعنية بالتقارير الكافية لحبس المقصود منها ثم تطور
هذا الأداء إلى أن أصبح صنعة يمتهنها البعض ضد السكان إن كانوا زملاء في العمل أو
كانوا أجوارا أو أبناء نفس القرية حيث لا ينتظر من المذنبين أن يتكلموا بما يدل
على انتمائهم إلى النهضة بل يكفي أن يصلي الرجل صلاة الفجر في الجامع أو يطيل
لحيته ويكفي للمرأة أن تغطي شعرها حتى يتحول الجميع إلى مسجلين خطرا و يمنعون من
جميع الحقوق.
نلاحظ بعد ما عرضناه أن
شيطنة حزب النهضة لم يقع صنعها لمحاصرة الحزب وحده بل لمحاصرة كل الشعب التونسي
فإذا بالشباب يسقطون في سلوك تجنب ما هو ديني من أجل النجاة و الإقبال على الفوز
ببطاقة الانخراط في التجمع الدستوري الديمقراطي لدفع ما قد يصدر عن المسؤولين من
غضب و ما يتبعه من خسائر فردية و عائلية.
هكذا حكم بن علي معتمدا
على فزاعة النهضة يقهر بها التونسيين مسبحين بحمده و صامتين عن ظلمه و بعض
المواجهين له . و لم ير في المستقبل ما يمنعه من فرض سلطانه مادام يملك الفزاعة
الإسلامية ذاتها . و لم يعلم أن العالم يتقدم بسرعة و لا يمكنه أن يحصر الشعب في
جزيرته المنقطعة عن الخارج حتى فاجأته الأقمار الصناعية ببث لإعلام متنوع لم يتعود
عليه التونسيون فانطلقوا يشترون الأجهزة اللاقطة بأرفع الأثمان غير عابئين و كاد
يصبح لكل بيت فقير أو غني جهاز خاص به عمل بن علي و زبانيته على منع ذلك أو الحد
منه تحت تعلة المظهر الحضاري و صورة تونس أمام السياح و لكنه فشل في الصد فجرب
الفزاعة الثانية لعلها تخدمه كما خدمته فزاعة النهضة.
ثانيا فزاعة الجزيرة و
الإعلام الحرّ
جرب بن علي أن يحجب كل
إعلام مخالف له في تونس يأتي من الغرب فمنع دخول الصحف الخطيرة على النظام وأبطل
بث القناة الثانية الفرنسية في تونس بسبب خلاف بسيط أو بسبب نقل أخبار عن أحد
أشقائه قام بجميع ما يمكن أن يقوم به ضد الإعلام الفاسد حسب نظامه لكن الحجة أعيته
أمام البث الفضائي لأن القوى الكبرى رفضت تدخله لمنعه فماذا عليه أن يقدم و الحال
أن سنة ست و تسعين أتته بمولود في أرض عربية و لكنه لا يشبه أي موجود عربي : إنه
يتهم الأنظمة العربية بالاستبداد و يتعاطف مع الشعوب العربية فيعرفها بالضعيفة و
المقهورة . شد هذا المولود الجديد نسبة عالية من المشاهدين كانه المسيح يتحدث في
المهد . نعم وقعت معجزة في بلادنا العربية : قناة من رقعة صغيرة يبدو أنها بالتونسي"
رقعة " لا تخشى أن تنقد الحاكم العربي المعصوم من الخطأ ذا الحكم الرشيد و
صاحب الرأي السديد فهل يقبل أميرنا أن تهتز صورته لمرة أخرى عند شعبه ؟ هل سينظر
إليه ككل الناس يسير في الأسواق و يحمل الأشواق؟ هل يقدر على هذا الكائن الغريب
المنشق عن الطريق المسطرة؟ ماذا ستفعل له زبانيته أمام خطر خارجي؟
في ذلك الوقت فهمنا شيئا
مهما إن تونس ليست بلدا ضعيفا إنه يملك قوة ضغط على الدول الأجنبية: قادرة بلادنا
أن تستدعي السفير و أن توجه له اللهجة الشديدة و الصارمة من أجل الكف عن تقديم خبر
يتعلق بتجاوزات النظام و حكامه ومن أجل استدعاء المعارضين المهجرين ممن كانوا لا
تصل كلماتهم إلى الشعب و المتابعين.
إن محاولات كهذه في
غالبها تبوء بالفشل و لا فائدة مرجوة من ورائها لذلك رأينا المسؤولين يلتفتون إلى
الداخل ويصنعون من قناة الجزيرة شيطانا جديدا يضاف إلى شيطان النهضة يساهم فيها كل
الموسومين بالشر: مثل القرضاوي و أسامة بن لادن و تمتلك فيها أسهم دول استعمارية
كإسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية و تبنى عل ذلك اتهامات شتى أنها تحمل اجندة
يهودية صهيونية و أنها مليئة بالأكاذيب ... ثم توزع نفس الاتهامات على أيدي السلطة
لتوعية الشعب بها و دعوتهم إلى عدم تصديق الجزيرة لكذبها الواضح . و نذكر هنا أن
الأيمة أنفسهم لا يستثنون من أداء ذات الوظيفة و قد يمارسونها بإخلاص و حماس.
ينكر ما قد تكون حققته
بعض الحملات من نجاح القريبة عند فئات غير قليلة من عامة الناس و من عند المثقفين
لكن مصدر الحقيقة عند الكل ظل مرتبطا بما تنقله الجزيرة أساسا . فبقيت الحملة تشن
ضدها بصفتها لا يرضيها صلاح حال التونسيين و تسعى إلى تشويه كل ما ينجزه النظام
البنعلاوي صاحب المعجزات و الصامد أمام جميع المواجهات الصعبة و المنفلت من تأثير
كل الأزمات العالمية ، و هكذا تدور الاسطوانة بما حققه بن علي كل سنة من إنجازات
تضاهي ما تكتسبه الدول المتقدمة و تردد علينا نفس الرقم الملفت للانتباه في نمو
الاقتصاد و تطوره . كان إعلامنا يقدم الأرقام والإنجازات الكبرى و النجاحات
المثيرة بشهادة التجمعات و المنتديات العالمية، في مواجهة ما يظهر لهم من تهجم ذي
أغراض رخيصة ، من قبل الجزيرة و من كل الوسائل الإعلامية التي تريد أن تظهر أنها
متبنية للحرية و للحقيقة.
نلاحظ أن بن علي يأتي
بالفزاعات و لا يستطيع أن يفك عنها فتضلّ معركته الدائمة يجند لها كل أدواته لا
يدخر منها واحدة في سبيل إبعاد الشبهات عنه . لم نجده في مرار كثيرة يوحد بين
مصالحه و مصالح كل الشعب ، يربط بين راحتهم و استمرار حكمه . فلتتقدم البلاد
ولتتطور لكن موفور الربح ينبغي ان يقسم بينه و بين أصهاره و زوجته وعائلته ولا
زائد على ذلك غلا من يقبل بشروطهم فانتشر فسادهم و اشتغلت المعارضة في الخارج
لفضحه و وجدت العون هذه المرة من الإعلام الفرنسي الذي استدرج بن علي كي يصنع منه
فزاعة جديدة.
ثالثا : فزاعة فرنسا و
المعارضة التونسية
نفس اللعبة يكررها بن علي
مع الدوائر الغربية فيشهر بها و يذكر بما بيننا و بينها من ماض استعماري يصل إلى
حد الإعداد لمطالبة فرنسا بالتعويض و في ذات الأوان يدخل المعارضة في اتهام لها
أنها متواطئة و أنها عميلة للدول الأجنبية لعل الشعب يصدقه فينكرها و لكنه نسي انه
أبدع في صنع شعب منشغل عن السياسة لا يعتبر أن معارك النظام معاركه كان يكتفي
بالمتابعة و من الشعب من يناصر الأعداء المصطنعين .
إذن في عهد بن علي لم يكن
الرئيس هو الشعب و هو الوطن بل كان هو نفسه أو هو و عائلته . لقد فقدت الرئاسة كل
احترامها و إن حافظت على هيبتها بفعل الترهيب و ما تملك أجهزته أن تصل إليه : هذه
الأجهزة التي تصد المنافذ على من ينوي الاطلاع على بعض الخبائث في شبكة الأنترنيت
لأن حضور عمار أربع صفر أربع يكون أسرع و لا تقدر في حضوره أن تتصيد حرفا واحدا
فلقد منعت قناة الجزيرة و منع اليوتيوب والمواقع المهاجمة لبن علي و الفاضحة لبعض
أحداث حياته الخاصة و لسلوكات أصهاره المتغولين آنذاك . حرم التونسيين من الدخول
للاطلاع على ما ورد في ملخصات للكتاب الصادر في غير وقته عن حاكمة قرطاج الذي ينسف
كل صورة جديدة تعمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة (المبعوثة قريبا من العائلات)
و المكتوبة على صناعتها أنها امرأة بارة بأقربائها تعطف على التونسيين سليمهم و
معوقهم تفني وقتها في خدمة القضايا الوطنية و العربية ذات عزيمة قوية تطلب العلم
إلى آخر العمر.
إن كل ما يبذل في شأن
الصعود بمقام سيدة قرطاج ينبغي ان لا يضيع بين غلافي كتاب ذي معلومات مغرضة ينبغي
الوقوف ضده و تكذيبه و نكتشف كالعادة في هذه المواقف كم هي تونس قوية تستطيع أن
تواجه فرنسا و تصنع منها الفزاعة و تحذر الشعب من خطرها و من نواياها الاستعمارية
الدائمة.
نلاحظ أن الشعب في عهد بن
علي قد وقع اعتباره ساذجا لا يعبر عن نفسه. للنظام وحده أن يتبنى الآراء و يتخذ
المواقف و يرد الفعل و يكلف مجموعة من ذوي المصالح أن تخرج للشارع و تسانده. غير
أن الواقع أثبت أن النظام بكل فيالقه هو الساذج لأنه جعل من نفسه مصارعا لنواعير
الهواء لم يتجاهل أيا منها كما تصرف مع أمريكا التي كانت تؤذيه بشدة و لا يرد
الفعل تشترط عليه الإصلاحات لزيارتها و تشترط عليه عدم ترشيح نفسه فيكتفي بعصيانها
و لا يقدمها للشعب فزاعة . لعله لم ينس أنها ذات الفضل عليه و أنها أمه لا يمكن ان
يجاهدها فكان عاقلا في ذلك وحسب و لم يضف إلى الأعداء عدوا آخر.
لو لم يكن ساذجا ما كان
ليفتح عليه عديد الواجهات : الجماعات الإسلامية و الجزيرة و المعارضة و فرنسا ...و
لا يعمل في ذات الوقت أن يكسب ود الشعب الذي مل في وقت كثرة الكذب و قرر أن يثور
عليه ابتداء من أحداث سليمان فأحسن بن علي تغطيتها فثار عليه ثانية في الحوض
المنجمي فأحكم حصارهم و إن لمدى طويل من الزمن غير مسبوق و يأتي دور بنقردان على
الحدود الليبية ليمر سريعا وتعقبه الثورة المتجاوزة لكل الولايات التونسية بين
تاريخي السابع عشر من ديسمبر و الرابع عشر من جانفي حيث ذهب الظن أن عهد التلفيق و
صنع الفزاعات قد مضى إلى غير عودة و سيعيش التونسيون في وفاق على الدوام استقبالا
لعصر ديمقراطي نفتحه معا.
ذكرنا ان بن علي لم يكن
قد أحب شعبه يوما و لم يحرص على جمعه بقدر تفرقته و كأنه أعاد على نفسه ذاك المثل
"فرق تسد" فأسس بين التونسيين خلافات ظلت ساكنة في داخلهم مع الوقت لا
تثار إلا في كرة القدم بقيت مكبوتة خشية العقاب إن صدرت حتى أتت الثورة فجمعت بين
التونسيين لوقت قصير و ظهر أفضل ما فيهم لكن استتباب الأمر وعودة الحياة و
الاطمئنان أن لا عاب يخشى بعد اليوم ظهر أسوأ ما يخفيه التونسيون و بدا الكثيرون
عدوانيين تجاه بعضهم وحتى تجاه و طنهم لا يعملون على خيره بل يبحثون عن خيرهم الذي
نجده في الظروف المستجدة يتعارض مع ما ينفع البلاد .
من مظاهر الانتفاع الذاتي
قبل تحصيل المنفعة العامة فيما بعد الثورة التونسية ، صنع الفزاعات سواء يكون ذلك
من قبل المعارضة أو من قبل الحكومة.
أولا فزاعات المعارضة
إن أغلب المعارضة بعد
وصول الاجتماع التوافق الثلاثي إلى الحكم في انتخابات الثالث و العشرين من أكتوبر
كانت نصبت نفسها في الشق المعارض لحكومة السبسي ولحكومتي محمد الغنوشي و كانت
تتعامل مع الأحداث بحسب ما يخدم نجاحها عند إجراء الانتخابات فغابت عن الساحة
التكتلات و التوافقات و تفرقت العائلات الحزبية حتى تجاوز عدد الأحزاب المشرع لها
عتبة المائة.
رضي كل حزب أن يخوض
منافسات الانتخابات بمفرده ممنيا النفس بالفوز و مؤملا من الشعب القبول على
اعتباره يملك شرعية النضال ضد الطاغية بن علي. كان يهتم بالتواصل مع المصوتين له
بالقدر الممكن لهم عند الظهور في قنوات الإعلام المرئي و السمعي معولين على ما نمو
نسبة متابعتها.
كل قناة أصبحت تطرح علينا
أسماء جديدة تعرف بها و تحمد لنا صبرها في الدفاع عن قضاياها ضد عصا بن علي وضد
سجونه. نجحت هذه القنوات في تقديم النجوم الجديدة للشارع التونسي و توفقت في توجيه
النقاشات إلى حيث أرادتها : حيث لاحظنا ضعف حضور المواضيع الاجتماعية، و التنموية
في مقابل طغيان حضور الجانب السياسي والأمني.
ظل التركيز حول ما يفرق
لا حول ما يجمع عامة الشعب فأصبح كل تونسي يغني على ليلاه و يظن أن الخير في ما
يراه و أن ما يتبع غيره ينحصر فيه الشر كله. أصبح التونسي يستمد شرعية ما يقوله
مما يخدم مصلحته أو مصلحة حزبه فأثر ذلك على أفعاله فانتقل من حمل العصي في يده
لحماية المصالح الوطنية بعيد هروب بن علي إلى حمل العصي في يده لقطع الطرق و السكك
و لفرض الاعتصامات و منع العمل بعد انتشار حديث المصالح.
اعتبر التونسي في التحول
الجديد فرصة لاحتلال موقع انتفع منه قليلون غيره : هاجم الحكام و أملى عليهم
حاجاته واغتصب الأموال و تحكم في سير الاقتصاد و صاح عاليا و اشتكى من ضيق العيش و
من تعدي المتنفذين عليه و هو لا يخشى في ذلك لوم اللائمين. يكتشف للمرة الأولى أن
له مقاما عاليا : يتجاوز القانون و لا يردعه رادع بل يرهبه من ملك شتمه سنين طوالا
و يحاوره من تعود أن يأمره و يطيعه من سبق له أن ابتزه. فسبحان الله مغير الأحوال
هل يفرط من يمتلك كهذه مكتسبات فيها؟ ألم نتحول من الشخصنة الفردية إلى الشخصنة
الجمعية؟ ألا يأنس القوي لقوته و يتمسك بها فلا يتنازل عنها لا لجهة شرعية و لا
لجهة مارقة؟
يبدو أن لغة الجموع
الجديدة تخاطبت بحسب المصالح و ما تقتضيه : أجيبك عندما أنظر إلى نفسي لأعرفك من
أكون فأصبح تونسيا علمانيا إذا ما خالط كلامي عبارات كثيرة فرنسية و كنت غير ملتح
و لا أضع رداء و لا خمارا على رأسي و العكس يحولني إلى تونسي إسلامي. فإذا
التونسيون ينقسمون إلى فرقتين متدافعتين أو متجاذبتين تهاجم إحداهما الفرقة
المناوئة و تسقط عليها كل التهم و تنزع عنها الغطاء لتكشف عوراتها و تظن في هجومها
عليها إفناء لها و تضخيما للأنا فنشأت عن ذلك الفزاعات المتبناة من المعارضة.
فزاعة العودة إلى النظام
السابق
نلاحظ تردد الفزاعة هذه
كلما صعد علينا أحد المدافعين عن الحريات من أصحاب الفكر اليساري أو المنتمين إلى
منظمات حقوق الإنسان فيندد و يغضب و يشنع بالاعتداءات المرتكبة من قبل قوات الأمن
و بقمعها لمسيرة سلمية بريئة لجموع متحضرة تقدمية قدمت للاحتفال أو للمطالبة عبر
الطرق الشرعية تأسيسا لنظام ديمقراطي يكفيه ما غاب عنا. ومعنى أن يجابه بصد
الأمنيين و بإطلاق النار فوق رؤوسهم و استقبالهم بضرب اجسادهم معروف هو العودة إلى
النظام السابق القمعي غير المراعي لحرماتهم .
تثار نفس الفزاعة عند نفس
الطبقة إذا ما استعملت ما تراه الحكومة التونسية من صلاحياتها في التعيينات للولاة
والسفراء و المعتمدين و مدراء المصالح و المؤسسات الإعلامية خاصة ، عندها تتحول
السلطة إلى باحثة عن افتكاك الحكم وتصبح متعدية على الحقوق و لا ننسى الفزاعة
المذكورة : العودة إلى النظام السابق و أشكاله و ان النهضة بدأت في تعويض موقع
التجمع و تتهم بالتغول و بعدم الأخذ برأي مشاركيها و بإفساد التحول الديمقراطي أو
حتى بتهديد صورة الشخصية التونسية المعتدلة المستنيرة المنفتحة على أصدقائها
الغربيين ليستولي عليها عابثون يأتون من الثقافات الشرقية الرجعية المتخلفة
القاتلة للديمقراطية في بلدانها و المنزعجة لقيام الثورات العربية و الساعية إلى
وأدها في مهدها باتخاذ وسيلة الزرع للمولود الغريب العجيب و هو الممثل للفزاعة
الثانية عند المعارضين.
فزاعة الإسلاميين
مرت فزاعة الإسلاميين
بمراحل:
كانت البداية بجمع
الإسلاميين كلهم في حزمة واحدة هي حزمة النهضة يلتقي فيها المرأة المنقبة و
المتحجبة و الرجل الملتحي و غير الملتحي و من يرتدي متشبها بالباكستانيين و من لا
يرتدي مثلهم. جميعهم يمثلون خطرا على المرأة وعلى ريادتها في العالم العربي :
سيحرمونها من العمل و من الدراسة و سيتزوج تحت حكمهم الرجل من أربعة وستقهر في
النساء العازبات و سيمنع توزيع الخمرة في البلاد بل الأدهى و الأمر أن الحدود
الشرعية ستنفذ و لن يظل في تونس سليم اليد و العين فخرجت لأجل ذلك المسيرات
الرافضة و المستعيدة للمسار بشعارات أعتقني و تونس حرة و غيرها غير أن الوقائع
أثبتت أن هؤلاء الإسلاميين ليسوا واحدا بل هم فرق متعددة بينهم السلفيون
باختلافاتهم و حزب التحرير و النهضة و الإسلامي المستقل و الإسلامي اليساري.
أمام التمييز بين
المنتمين إلى المرجعيات الإسلامية و تعددهم وقع المنافسون لهم في مأزق البطلان
لاتهامهم للإسلاميين عند وسط هام من السكان. و تبين في ذات الآن قوة حزب النهضة
هنا كانت مواجهتها بتسليط نفس التهم الملقاة على أبنائها في عهد بن علي خاصة أنهم
في ذلك الماضي كانوا شركاء في معاداتها فسعوا إلى إفساد تقدمها و اتساع شعبيتها و
ألصقوا بها صورة عدم استعدادها لتطبيق الديمقراطية و أنها ستسقط البلاد في تبعية
لإمارة صغيرة و أن أموالها مشبوهة و أن النهضويين غير متمرسين بالواقع و أنهم
فاشلون و كأنهم بذلك يضعون الأسس التي سيكون عليها نقدهم للنهضة بعد نجاحها و
تحميل المسؤولية للشعب " الغبي" عند البعض لأنه لم يستجب لتحذيراتهم و
تنبيهاتهم و صوت للنهضة حتى ترتكب أخطاءها المدركة من قبل و الواضحة بسبب فشلها في
تجاوز العقبات .
قد تكون هذه العقبات من
صنع المعارضة نفسها بالعمل على إشعال الفتنة بين قطبين إسلاميين هما النهضة و
السلفية . ما إن تولت الحكومة السلطة و تسيير الشؤون حتى اعترضتها مسألة التخلص من
مشكلة قد لا يفصل فيها القانون هي وضعية بعض الفتيات المنقبات في الجامعات :
أيمكنهن الدراسة أم لا يمكنهن ؟ و أعان الإعلام في تهويل القضية وتضخيمها و اعتبرت
المشكلة قضية الساعة و من وقتها تم إشغال الحكومة المنبثقة من المجلس التأسيسي عن
القضايا الأصلية لصالح القضايا المثارة في الإعلام بعد التبني لتصريحات ما من أجل
تحليلها في المنابر و بعد استغلال زيارات شخصيات دينية لتسليط الأضواء حول ما
قالته في تونس و قبل قدومها. و بعد انتشار الاعتصامات و غلق المصانع وبعد استغلال
لنتائج الفيضانات و الثلوج و بعد الدخول في صراعات بين الإعلاميين و الفئات المتهمة
لهم من الشعب ممن لاحظوا أنهم بعيدون عن أداء وظائفهم بمهنية...و تم البحث في هذا
عما لم تنجزه الحكومة ذات العدد المرتفع من الوزراء و تم تحميل كل وزير نصيبه من
الفشل و تواصل النقد لها أنها لا تتصدى للإسلاميين بسبب أنها تدخرهم للانتخابات
القادمة و في المقابل عندما تفكك اعتصامات في الطرق فإنها تتحول إلى حكومة غليظة
اليد مستبدة .
هكذا الإعلام ساعد في
الترهيب بالفزاعات لما يملكه من قوة دعائية أسقط الحكومة في لعبة النقاشات و
المحاورات التي لا ينتظرها الشارع و كان يأتي إلى المنابر من الضيوف الموزعين شكلا
باعتدال : عدد من الفريق الحكومي يوازيه نفس العدد من الفريق المعارض و يتولون
تبادل التهم و الردود نفسها مع مختلف القضايا و تسهر الإذاعات الخاصة على تتبع
الزلات و العبارات من الطرف الحكومي لتنهض البرامج الصباحية و المسائية و برامج
الضحى بينهما من أجل تسليط الضوء عليها و يتولى المحللون الصاعدون بعد الثورة
تقديم آرائهم و سخرياتهم مما قيل لتتم محاسبة الحكومة من أقوالها و تنتفي معها نية
الافتراء.
للمتتبع أن يبحث ألا يزل
إلا لسان الوزير أم كاتب الدولة ؟ ألهذا الحد لسان المعارض موزون وهو من يصيح و
يتشنج ويعبر و يبكي احيانا؟
فزاعة رابطات الثورة
برع المعارضون في صنع
الفزاعات : إذ أن جميع من يقف ضدهم و يطلب تطهير البلاد منهم يتحول إلى إرهابي
ينبغي إقصاؤه و تطالب الحكومة بتطبيق الأمر و عندما لا توافق تصبح هي نفسها
متواطئة و تستخدمه لصالحها.
استخدمت المعارضة فيما
يبدو الفزاعة اللاحقة لما تعرضت إلى مأزق السلفية حين دعت إلى تطبيق القوانين ضدها
ومات سجينان وظهر كيل المعارضة بمكيالين للتمييز بين تونسي غير إسلامي و تونسي
إسلامي كلاهما يضرب عن الطعام: لأحدهما قد تقوم القيامة منذ نيته عن الإضراب بينما
للآخر يبلغ التونسيون بموته بعد إضرابه الوحشي.
لعل الذنب هنا يصبح بينا
لذلك فالاستمرار فيه يؤدي إلى نتائج معكوسة حينئذ لابد من تغيير التكتيك فيتجه إلى
طرف جديد هو طرف رابطات الثورة الجمعيات المتهمة بمناصرتها للأحزاب في الحكومة حتى
أن الفعل المشاغب ما إن يصدر حتى توجه
أصابع الاتهام إليها و كأن الأمر لا يتطلب
تحقيقا و كادت البلاد تشل عند الدعوة إلى إضراب عام من أهم شروطه حل رابطات
الثورة . تقرر الإضراب عند مواجهة بين طرفين فتم بصورة غير مبررة تبرئة الطرف
المواجه و عدم توجيه تهم الضرب و التسلح منه لتقتصر على الطرف المقصود وحده بل إن
وجوده في مكان الحوادث أصبح يعتد جريمة لا تغتفر ينبغي أن يعقبها التخلص منها و
إقصاؤها. لكن الرد كان قانونيا بمعنى أن الروابط جمعيات يتخذ القضاء في شأنها
الأحكام بالإلغاء أو بالمواصلة فيصبح وراء الطريق هذه مجهود لم تتعود المعارضة
اتباعه هو طريق التهدئة و الانتظار. فهل تواصل المعارضة في التركيز على رابطات
الثورة أم تجمد تركيزها كما فعلت مع السلفية لتركز مع طرف بديل؟ ألا تكون الفزاعة
اللاحقة فيما يبدو شخصيات أيمة الجوامع بعد أن ظهر أنهم ذوو تأثير قوي على الناس و
أنهم قادرون بدعوة بسيطة أن يجمعوا اضعاف أضعاف ما تجمعه المعارضة بكل طاقاتها و
آلاتها وأدواتها و يبطلوا بذلك مفعول ما أرادوه؟
ثانيا فزاعة الحكومة
يلاحظ المتتبع لسيرة
الحكومة أنها تتصرف كأنها ما تزال في المعارضة . لقد تعودت على النقد و رفض سياسة
من سبقها و يناضل وزراؤها من عرفوا التهجير و السجون ضدها. فجأة وجدوا أنفسهم على
سدة الحكم يتعرضون إلى موجات من النقد في الهجوم عليهم و لا ينقدون و إنما يهيئون
أنفسهم إلى إعادة البناء و إسعاد المناطق المحرومة بالمشاريع الموعودة و الآفاق
المفتوحة غير أن العجلة تتحرك و لا تتقدم الحكومة بالصورة المتوقعة فإذا بها بدل
العودة إلى ما بداخلها لتغيير منهجها و أسلوبها التفتت حولها و أسقطت الأسباب على
مخالفيها إعلاما و معارضة كونها جميعا معطلة لا تدفع نحو الإصلاح و التغيير. و
تتناسى أنها في الحكم تملك المبادرة و تملك القرار و التنفيذ و قد لا يقتنع
الكثيرون بشكواها حتى و إن كانت محقة لأن المطلوب منها أنها في الحكم و ينبغي أن
تصمد أمام الرياح و تجد الحل للطوارئ و لا تتراجع أمام الشدائد سواء صدرت من أجهزة
إعلامية أو من معارضة يسارية أو تجمعية تعود من النافذة.
إن الحكومة لم تتخل عن
الشكوى من المخالفين و ترى فيهم قطاع طرق الإصلاح، تتهم هذا بكونه تجمعيا فاسدا و
تلتفت إلى ذاك فترى فيه جريحا من الانتخابات لا يرضيه إلا إسقاط من غلبه بصناديق
الاقتراع . تصل الحكومة بذلك إلى تشريح الظاهرة و إلى تفكيكها فتعرضها على العموم
في الأجهزة الإعلامية المتهمة من قبلها و كأنها ترسم الدليل على بطلان أقوالها:
فإن كان الإعلام معارضا حقا يعرقلك يا أيتها الحكومة فماذا يفعل وزراؤك في المنابر
وهم يتطارحون أفكارهم و يهاجمون الإعلام في مقره؟ أليس ذلك بدليل واضح أن الإعلام
مسكين و أنه يتعرض إلى حملة تشويش يقودها أحزاب الحكومة و يساندها في الحملة
مناصرو النهضة من يبغون للإعلام أن يعود إلى سالف تمجيده وتطبيله للحكام .
مع الاختلافات في التقييم
يبقى المشاهد في حيرة من الصادق : هل الإعلام المدعي أنه ابن الثورة قد امتلك
الحرية و لا يرضى للحكومة الجديدة أن تتسلط عليه كما كان في السابق و هو الذي
يفتتح الإرسال بتشنيع الحكومة و أعضائها ويختتمه بالسخرية من الأطراف الحاكمة
كلها؟ وهل الحكومة ضحية للإعلام المعادي لها وهي النازلة ضيفا عليها في كل المنابر
و اللقاءات الخاصة؟
يتوزع المواطنون بدورهم
إلى فريقين أحدهما ضد الحكومة يقف مع كل ما لا تراه معها و ثانيهما مع الحكومة
يهاجم الأطراف جميعها الواقفة ضدها. فإذا بالفزاعات لم تصنع إلا شعبا مفكك الأوصال
يتناحر و الحمد لله سياسيا و قوليا مادام لم يحمل في وجه الآخر السلاح. يتصرف
الجميع كما ذكرنا معتبرين مصالحهم الضيقة و أعينهم مغمضة عن مصالح تونس العليا
يتناسى الكل أن تونس تمر بفترة انتقالية لا يجوز فيها تعميق الخلافات بل على
الجميع أن يحرصوا على المعرفة : معرفة ما تفتقده البلاد و ما تحتاجه ذلك أن
المعرفة وحدها تساعد على تقريب الأماني و تذليل الصعوبات تونس ليست بلدا عريقا في
الديمقراطية كي نعرض أنفسنا في خصومات و خلافات فلنتجه بداية إلى تمكين المؤسسات
ولنلتفت إلى كل تونسي فضل العمل و السعي إلى تلافي النقص و رضي في المقابل بالقليل
حتى يعيش هو و تصمد بلادنا.
ما يزال في تونس الخير و
ما تزال الأسواق متنوعة في معروضاتها و المساحات الكبرى ممتلئة بالسلع و ما يزال
التونسيون يرتادونها بكثافة مثل السابق و أكثر ما يزال التونسي متعلما و متوسط
التعليم يتابع آخر ما يصدر تكنولوجيا ثم يتولى المتاجرة به و استخدامه لم يقلع
التونسي عن إشباع نفسه بتلبية حاجاته الترفيهية في كل المواقع الخالصة لذلك، ما
تزال في تونس عجلة البناء و التشييد تنمو يوما عن يوم رغم غلاء الأسعار ما يزال
التونسيون يتخلون عن السكنى في أحيائهم الفقيرة و القديمة من أجل السكنى في
الأحياء العصرية المستحدثة في كل الولايات.
حياة التونسي بخير و إن
لم تخل من الشكوى و من التألم لوضع من الأوضاع أو لتغير لامس بعض مصالحه أو لنقص
يحاصره في بعض المنتجات سببها عدم إرادة بعض التونسيين بإخوانهم التونسيين الفضل و
الخير. سببها عدم الاستبشار و تغليب الشؤم على التفاؤل كما في حين نزول الثلوج و
الأمطار التي كانت طالع خير لم تعرفها البلاد منذ سنوات بعيدة غير أن تونسيين
كثيرين بمساعدة الإعلام قد وظفوها لغير حمد الله و شكره و لم نسمع منهم واحد يبشر
بسنة استثنائية في صابة الحبوب و الزياتين. كانوا يتباكون أمام العدسات و يتهمون
المسؤولين في التهاون لإنجادهم. فلم لم نجد ما يعكس التعبير المتوازن الجامع بين
السلبي و الإيجابي بحسب ما تحتاجه الفترة الانتقالية و بحسب ما نريد أن نتربى عليه
في المستفبل لحياة الشعب التونسي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق