صمت الولي وصيحة الوزارة أخيرا فاضت
الكأس و صاحت الوزارة ونطق مديرو المعاهد و الإعداديّات ونطقت وسائل
الإعلام وصرّحت التّلفزات بغول المخدّرات والزّطلة و لكن كيف نمنع استمرار
الكارثة وكيف نكفّ ونمنع الأيادي الآثمة من اختطاف الطفولة وإفساد
العقل و اختراق سياج المناعة .مناعة عقل المستقبل وسلامة جسد الدّولة . لقد
سبق منّي القول بأنّ واجب الإصلاح التّربوي يبدأ من المعمار فلا بدّ من
سياج يحمي ثرواتنا البشريّة والمعماريّة لأنّ الخراب المادّي و قصر سياج
المعاهد والإعداديّات ينسف مناعتها نسفا فصارت تتخطّى أسوارها وتروّج
"الزّطلة " و يتموقعون أمام المؤسّسة التّربويّة ومن حولها وهذا من شأن
رجال الأمن وأمّا داخلها فذلك يبدأ من باب مدخل التّلاميذ ولذلك نحتاج
وبكلّ الوضوح إلى تكوين تربويّ لحرّاس مداخل المؤسّسات بحيث لا يسمح بدخول
ساحات المعهد لأيّ كان مهما كانت الأعذار فدخول المواطنين يكون أبدا من باب
المعهد وكانت تجربة بلزوم الاستظهار ببطاقة التّعريف الوطنيّة وضبط موضع
الزّيارة قصد التّحرّي عند الضرورة. فإذا أمّنّا محيط المؤسّسة تحوّلنا إلى
واجب حماية التّلميذ ولا يتحقّق ذلك إلاّ بأمرين أساسيّين لا يتفاضلان
:الأوّل منع المدرّس من إخراج التّلميذ من القاعة إلاّ لضرورة قصوى جدّا
وبمصاحبة قيّم أو القيّم العام أو السيّد مدير المؤسّسة و يلحق بقاعة
المراجعة وهنا وجبت المسألة الثّانية انتداب العدد الكافي من القيّمين
لمساعدة التّلميذ وصيانة المؤسّسة ولنا القدرة على ذلك أمام وفرة عدد
المعطّلين من المجازين فلو صنّا المؤسّسة نكون حقّقنا هدفين ساميين الأوّل
حماية التّلميذ والمؤسّسة معا والثّاني الحدّ من البطالة وإن كان غاليا
ومكلفا مادّيا فإنّ ثماره أغلى وأنفس وأجدى وأبقى فبناء تونس وتيسير
المستقبل أهمّ من الكلفة بل إنّ كلفة التّشغيل و تأمين التّلميذ أنفس من
الإنفاق غدا من أجل صحّة التّلميذ طاقة الإنتاج غدا فأيّ النّفقتين أجدى
حماية التّلميذ وتشغيل حملة الشّهائد أم الإنفاق على الدّواء بعد تدمير
صحّة التّلميذ قوّة الغد ؟؟ إنّ الإنفاق على متانة
المعمار التّدريسي تمتين لسلامة التّكوين و البذل على الانتدابات استثمار
في القدرات وصنع الكفاءات ونحن نعلم أنّ الاستثمار في العقل أجدى وأنفع فلا
يظنّ سياسيّ واحد أنّ تمتين المستقبل يكون مع خفض الإنفاق على التّعليم
ولعلّ أقبح خطإ وقعنا فيه تخفيض ميزانيّة التّربية وكانت من قبل في حدود
الثّلث (ثلاثون بالمائة) ونحن ثمرة ذلك الاستثمار فلمّا خفّضنا ماذا حصل ؟
لقد تكثّفت المؤسّسات الخاصّة وتحوّلت من مؤسّسة لصناعة العقل والكفاءات
إلى مؤسّسات تجاريّة بل ومحاضن للتّلميذ أمام غياب الأب والأم وانخراطهم في
العمل وعدم القدرة على المتابعة والتّفقّد والتّعهّد وماذا بعد ؟ لقد حضر
الدّينار وغابت المتابعة وماذا بعد؟ لقد وجد تجّار المخدّرات في غياب
العائلة المتابعة والمؤسّسة الحاضنة الفرصة جدّ متاحة للتّجارة السّهلة
وربّما ساهمت غفلة القاصرين في هدم وتدمير قدرات المستقبل . لذلك أشرت في
البدء إلى توسعة معمارنا حتّى يقدر على حضانة التّلميذ أثناء ساعات الفراغ
وأكّدتّ على إدماج أصحاب الشّهادات في بناء وحماية المؤسّسات التّربويّة
وأن يلتزم المدرّسون بصيانة التّلميذ وتوجيهه بدل الانفعال وإقصائه خارج
قاعة الدّرس وحصن المؤسّسة ثمّ لنا أن نعزّز هذا برجال التّربية وعلماء
النّفس ورجال الصحّة المدرسيّة والمسرحيّين وعلماء الدّين والفنّانين رسما
ومسرحا وموسيقى وعلى قدر التّوسعة والمشاركة الجماعيّة على قدر الحماية
والنّجاح .. أمّا ظهور المهرّجين المنادين بتحرير الزّطلة
واحترام رغبة المستهلك بدعوى الحريّة الشّخصيّة و تقليد الدّول "الرّاقية"
فهذا ما يجب التّصدّي له بالقانون .. وأختم بالتّوكيد على واجب التكتّم
على أسماء التّلاميذ حتّى يقع العلاج والإصلاح في كنف الاحترام وعلى
الأسرة المتابعة وحسن العلاج وعلى الإدارة حسن السّمع والمتابعة حتّى ننقذ
فلذات أكبادنا وآمال مستقبلنا ...أسأل دائما ....أليس كذلك ؟؟
أبو يوسف البشير العبّاسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق