تحليل نص: "دعوة
الدنيا دعوة الكونِ" لمحمود المسعدي
يتعرض النص إلى صحبةٍ تجمع متبعة صديقين كان قدم لها الكاتبُ في
فصل " حديث البحث الأول " حيث يأتي الصديق إلى الراوي أبي هريرة ويدعوه
بطريقةٍ ليست متبعة وليست مألوفة. :" جاءني
صديق ٌ لي يوما فقال":أحبّ أن أصرِفك عن الدنيا عامة يوم من أيامِك فهل لك في
ذلك؟ فقلت: إن وجوه الانصرافِ عن الدنيا كثيرةٌ ،وأحب أن تعرفني أيها اخترت لي؟
فقال أخفها وقعا على النفس وألذها مساغا قلت إني أخاف أن يكون انصرافا ليس بعده
عوْد. ولستُ متهيئا للرحيل.أفلا سبيل إلى الإفصاحِ؟ قال : لا وضرب بكفه على كتفي.
قلت إذن يكون ذلك متى؟ قال: غدا." يعكس
هذا الحوارُ ما تعرفه البداية في الرواية من دفع يقود الأحداث وينبئ بالتحولات
لنسج القصة. هذه المقدمة لا تخلو من التشويق والإغراء بمتابعة ما يكون بعد هذه
الدعوة أفلا يكون ذاك دعاء الدنيا؟
يلي ذلك حدث التنفيذ في زمن الفجر المعبر عن الانطلاق
عند الوجوديين ويكون الخروج من مكة حيث العمارة والمدينة إلى الصحراء حيث الطبيعة
والصفاء والطهارة لنجد عند الكاتب احتفالا بها في ما يستعمله من تشبيهات وتعبيرات
ترقى باعتماد اللغة:" وجعلت النجيبتان تغرسان وتقلعان،فإذا
خطاهما لينة عذبةٌ كأنها مس خفيف." و" فجعلت أضرب برجلي وأقلب يدي فيه
فأجد منه كمس لطيف النهود." ويقول:" فرأيت على رأس الكثيب المقابل من
وجه الشرق شبحين. وكان عاليا فكأنهما على صفحة السماء البيضاء." ويقول:
"فإذا الفتاة ارتمت كأنها الضبية أحست بالنبل... ثم تتراجع وترسل يديها إلى
السماء والشمس كأنها تروم أن تدركهما. ثم تتراجع كأنها الغصن يهزه النسيم" ويقول:" فهي رقيق الرمل يجري بين الأصابع." ويقول:" ثم سكنت ويداها إلى
الشمس البازغة وإحدى رجليها مرسلة كالرمح المصوب في الهواء كأنها تهم أن
تطير." و" وجعلت الفتاة تدور أو تقف، وتقوم أو تهبط، فتقعُ في هيئة
الساجد فإذا هي قائمة ٌ أو ترتفع فإذا هي ساجدة." جميع هذه التشبيهات وغيرها لوحات مختلفة تستوعب ما
أحسه أبو هريرة من جمال وما سيجعله ينطلق في رحلته باحثا في حقيقة الحياة ومفهوم
الإنسان مطلقا ما كان يعيشه فيما قبل هذه اللحظةِ كأنه بين الأموات لا يبشهد تطورا
ولا يعرف تغيرا. يجد حرجا في تركه ويستغفر الله أنه يفوت فيه:"قلت مهلا يا عافاك الله. فإني لم أتوضأ وقد تبين الخيط الأبيض من الأسود،
نتوضأ فنصليثم ننصرف. فقال لو فعلنا لفاتنا خير كثير. دع الصلاة اليوم فالله
غافرها لك، ولنذهب فليس منه بد. فلم أجد إلا القيام معه. فقمت وأنا أستغفر الله
وأصلح من ثيابي.
المقدمة:
عندما يعود الكاتب العربي المعاصر كمحمود
المسعدي إلى الموروث الأدبي القديم والديني، يغذي به شكله القصصي وينميه ،نعرف أنه
يأخذ من الحديث ومن السرد الباقي من النادرة والمقامة كأنه يلقي بفعله في حماية
الحضارة العربية من الزحف الغربي الجارف لما في طريقه يطمسه ويمحوه أو يغيبه.
كاتبنا معاصر بفكره يطرح ما يطفو في وقته
من مواقف وفلسفات تتطور في المنطقة الغربية وتأخذها الثقافة العربية بلغتها
وأصولها ومعتقداتها كما في نصنا المقترح علينا ضمن محور الرواية العربية"
دعوة الدنيا دعوة الكون " لصاحبه الكاتب التونسي محمود المسعدي المختص في
الأدب العربي تحصل على شهاداته العلمية من فرنسا. يروي المسعدي في هذا النص حوارا
يسترجع فيه الصديق قصة لقائه بالفتاة والشاب معها وكيف كان أثر ذلك على هذين
الصديقين الذين افترقا من ذلك الوقت؟
فلماذا يصر الصديق الراوي على عرض
قصته على أبي هريرة؟ وما هي دلالات القصة المُضمنةِ؟ وما هو مآل الصديقين بعد
التجربة التي جمعتهما؟
الوحدات المعنوية:
حسب البنية[ الحركة والسكون ] أو [ التضمين ]
...........................................................................................................................................................................
...........................................................................................................................................................................
...........................................................................................................................................................................
القصة الإطار
طرفاها
الراوي الأصلي : أبو هريرة" ثم التفت إلى صديقي . . ." وصديقه ،
موضوعها المشهد الجميل الذي كانا يشتركان في الفرجة عليه، لكن وجه الاختلاف بينهما
أن أحدهما بدا باكيا في حين أن الأول على خلافه فرح وذاك ما سيدفع إلى الاستغراب
من جهة وإلى الاستعداد للتفسير في الجهة المقابلة أي ما سيؤدي إلى الاسترجاع عند
الصديق الباكي
الحكاية الإطار
|
الحكاية المؤطرة
|
الزمن: الحاضر
نمط الكتابة: حوار
الشخصيات: الصديقان: الراوي الأصلي + الراوي الفرعي
العلاقات : تؤول إلى الانفصال
الموقع: البداية + الخاتمة
البنية : السكون
النهاية : قطع مع القديم التقليدي وبحث عن الجديد
|
الاسترجاع
سرد
الصديق
وصال
وسطي
السكون + الحركة
المباركة
|
...........................................................................................................................................................................
...........................................................................................................................................................................
...........................................................................................................................................................................
بنية الحركة والسكون:
اعتماد ثم الفاصلة بين الحركتين
السكون
|
الحركة
|
الاكتفاء بالمتابعة للمشاهد الراقصة والابتهالات
الوثنية والاستماع لصوت المزمار
استغراب أبي هريرة من بكاء الصديق قبل التضمين وكأنه
يشعر بالحرمان
الجلوس للأكل ولرواية الشعر والأدب والقص ومعرفة
الأسرار
العودة إلى الحياة السابقة وعدم الارتياح لها
|
البحث عن الناقة واقتفاء أثرها
استقبال الشابة وفتاها للصديق ومرافقته وهما عاريان
يبدوان له كالشيطان
المفارقة على الرقص والغناء
العودة إلى مكة
البعث
|
...........................................................................................................................................................................
...........................................................................................................................................................................
...........................................................................................................................................................................
مآل الصديقين
لم
يعد أبو هريرة لمكة كما تركها حتى مكة نفسها ما عادت على نفس صورتها السابقة أصبحت
تمثل الضيق بدل الاتساع والقيد الديني بدل التحرر والإباحة والانكماش عوض الانطلاق
لذلك سيترك زوجته وصلاته ويبحث عن حياته الجديدة كما وجدها في النص من مثل دليله
للبعث ولكنه يفارقه لأن الفراغ الذي يشكوه الكيان يحتاج إلى خوض مسيرةٍ فرديةٍ
لنحته وإدراك حقيقته وجوهره.
نزار الديماسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق